لا تحتاج الأمور في بلادنا لكثير متون وشروح، فكلُّ شيء بائن وواضح وجلي وشاخص، فالتآمر الدولي يبلغ أشدُّه وفي عنفوان هيجانه الطائش، ولم تعُد أهدافه غائبة ولا مخفيَّة على أحد، فما يُسمَّى بالجبهة الثوريَّة وقطاع الشمال بالحركة الشعبيَّة، هي أحجار على رقعة شطرنج وبيادق تحرِّكها القوى الدوليَّة التي تكيد لأهل السُّودان وتسعى لتدمير هذه البلاد ومسخ هُويتها وطمْس تاريخها وإعادة تركيبها من جديد، وفق مخطَّط السُّودان الجديد الذي سعت له الحركة وخابت عندما كان السُّودان بلداً واحداً وتهلث خلفه اليوم بواسطة عملائها الذين يقاتلون من أجل مشروع السُّودان الجديد الذي طمرته الخيبات من قبل.. ما يجري في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور حلقة واحدة لا تنفصل ولا تنفصم عن المشروع السياسي الإستراتيجي الذي صمَّمته ورعته القوى الدوليَّة التي تتَّخذ من دولة الجنوب والحركة الشعبية قاعدة لتنفيذه... فالذين يقاتلون في صفوف الجبهة الثوريَّة وقطاع الشمال مجرد عملاء مارقين يتم توظيفهم واستخدامهم في هذه المشروعات السياسيَّة، فقد جعلوهم يستغلون قضية التنمية ونقص الخدمات وضمور المشاركة العامة لبعض مناطق السُّودان، ويرفعون هذه الشعارات الخادعة لبلوغ المرام السياسي وهو ينتهي بسقوط السُّودان كلُّه فريسة في يد المشروع الغربي الصهيوني الذي يعيث خراباً في بلادنا ويجعل الدماء تسيل أنهارًا.. ليست هناك قضية جوهرية وحقيقية تجعل من بعض أبناء البلاد يسعَون لدمارها وخرابها، إن لم يكونوا عملاء تستخدمهم دولة الجنوب التي هي بدورها موظفة من آخرين تحركها أصابع دوليَّة لا ترغب في الجنوبيين إلا ولا ذمَّة، فلا يصدِّق فرد أن أشخاصًا ينتسبون لجنوب كردفان أو النيل الأزرق أو دارفور، يخربون ديار أهلهم، ويستهدفون المدنيين والقرى والفرقان والمواطنين الأبرياء يذبحونهم ويستحيون نساءهم ويمزِّقون أحشاءهم، ثم يدَّعون أنهم يقاتلون من أجل هؤلاء المساكين البسطاء الأبرياء!! ما يحدث لا يحتاج لتفسير وتوضيح أكثر مما هو واضح، ليست مسؤولية الحكومة أو أي سلطة من أعلى مستوى إلى أصغر وأدنى درجة، أن تكون هي التي تتحمّل تبعات التصدي لما يجري، فقطاعات الشعب كلها معنية بالدرجة الأولى بهذا التآمر الذي تقوم به هذه العناصر العميلة التي لا تريد إلا تحقيق رغبات الأسياد في الخارج، وتدمير السودان وتفتيته وتقطيع أوصاله.. فالشواهد على هذا المخطَّط كثيرة يعلمها القاصي والداني والأدبيات المنشورة والمبثوثة والمنقولة لا تُحصى ولا تُعد، ومُتاحة لكل من يريد التحقُّق منها ومعرفة تفاصيلها، فينبغي لكل سوداني يحب وطنه وحريص على أمنه واستقراره وسلامة أراضيه ولصون هُويته وتاريخه، أن يدرك أنَّ ما تقوم به دولة الجنوب وعملاؤها في قطاع الشمال والجبهة الثوريَّة، لا بد من مواجهته بقوة وحسم وحزم كبيرين، فالقضيَّة أكبر من كونها مواجهة بين حكومة وحركات ومجموعات مسلَّحة ترفع شعارات محدَّدة، فاستهداف السُّودان كوطن وتاريخ وهُوية وثقافة ومجتمع هو الهدف الحقيقي وراء كل ما يجري في بلدنا.. ألم يقل وزير الدفاع الإسرائيلي قبل أكثر من شهر في نهاية مارس الماضي غداة زيارته لجوبا عاصمة دولة الجنوب، إن تل أبيب لن تسمح بإطفاء نار الحروب في السودان وستُبقي عليها مشتعلة؟! لقد جنَّدت القوى الدوليَّة المعادية كل طاقاتها وجنَّدت كل وسائلها لهذه الجولة الحاسمة وهي تظن أنها ستنجح في إسقاط نظام الحكم القائم وتقطيع السُّودان إلى قطع صغيرة لا تُرى بالعين المجردة والكشط إلى الأبد من خارطة التاريخ والجغرافيا بلد اسمه السودان وتضييع شعب من أعظم شعوب الدنيا ليصبح هشيماً تذروه الرياح .. إن واجبنا جميعاً الاصطفاف وراء راية واحدة، فلا صوت يعلو اليوم فوق صوت المعركة ولتخرس كل الألسن المخذِّلة الخائرة والخائفة أو المتواطئة، فلا وقت للمعارك الانصرافيَّة ولا مكان لها فاليوم هو يوم النزال والحفاظ على الوطن، فمهما غلا الثمن سيظل السودان شامخاً وقوياً وصامداً أعتى من الجبال لا تهزُّه رياح الأعادي... الأصوات المخذِّلة ستكون معزولة والخَوَنَة لا مكان لهم وسط الاصطفاف الوطني الكبير ...