تلفون كوكو رجل يتحلّى بصفات القائد الفذ ورجل المبادئ والمواقف خدم في صفوف الحركة الشعبية والجيش الشعبي لكنه اكتشف بعد نيفاشا أن قرنق والحركة الشعبية كانوا يقاتلون من أجل قضية الجنوب وأن استعانتهم بمقاتلي النوبة لم تكن أكثر من خُدعة من حركة لا تُجيد أكثر من الخداع في عملها السياسي ولم يغفر الرجل للحركة تضحيتها بالنوبة الذين مات منهم الآلاف في حرب لم يحصدوا منها غير الهشيم. ما اكتشفه تلفون كوكو تكرر مع قوى سياسية كثيرة اتخذتها الحركة مطيّة لتحقيق أجندتها السياسية والعسكرية بدءاً من التجمُّع الوطني الديمقراطي قبل نيفاشا ثم قوى إجماع جوبا بعد نيفاشا والتي استُغلت من قِبل باقان وعرمان ثم قوى الإجماع الوطني بعد الاستفتاء والتي امتطاها الرويبضة وأبو عيسى لكن الفرق بين ما دفعه النوبة من ثمن في قضية الجنوب وما دفعته القوى السياسية الشمالية الأخرى هو أن النوبة أراقوا دماء كثيرة بالمجان في حين قدَّم الآخرون تضحيات سياسية لم تصل درجة سكب الدماء في سبيل قضية الجنوب. بالطبع لا نستثني أحداً من المعارضة الشمالية وغيرها لم يُوظَّف في خدمة قضية الجنوب من قِبل قرنق وأولاده من أبناء الجنوب فالكل دفع ثمن غبائه غالياً ولكم رأينا الشيوعيَّين الواثق كمير ومحمد يوسف أحمد المصطفى بل وحتى الرويبضة يذرفون الدموع السخينة حزناً على الوحدة التي منّاهم بها قرنق ثم كبير أولاده باقان قبل أن يدير الجنوب لهم ظهره ويتركهم في العراء... فهؤلاء جميعاً كانوا من الغباء بحيث لم يفهموا نفسية السياسي الجنوبي الذي ينطوي على حقد دفين يدفعُه للتشفي من كل ما هو شمالي ولذلك لم نَرَ دمعة حزن واحدة أو عزاء لأولئك المغفلين النافعين جميعاً ممن بذلوا بالمجان لأناس ليس من ثقافتهم رد الجميل. نرجع لتلفون كوكو الذي عزّ عليه أن يُخدع أهله وتُهدر دماؤهم رخيصة فكان أن أخضع نفسه لمراجعة صارمة جعلته يتخذ موقفاً قوياً من الحركة حيث ناصبها العداء وأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد. الفرق بين تلفون كوكو وعبد العزيز الحلو أن الحلو الذي تربّى في أحضان الحزب الشيوعي هاجر من السودان مغاضباً ويائساً بعد مصرع قرنق لكن الشيوعي الآخر عرمان لحق به في أمريكا وأرجعه واستُرضي بمنصب نائب والي جنوب كردفان، ولما كان الرجل من مناصري نظرية السودان الجديد فقد دفعه طموحُه نحو الهاوية السحيقة التي تردَّى فيها الآن برفضه الاعتراف بنتيجة انتخابات جنوب كردفان فقد كان الرجل مع كلٍّ من عرمان وعقار يأملون في أن يجعلوا من جنوب كردفان والنيل الأزرق منصّة انطلاق لقيام مشروع السودان الجديد في السودان الشمالي من خلال الخطة «ب» المُعدَّة لتكون أساساً للمشروع في نسخته الثانية بعد الانفصال ولذلك لا غرو أن يسمُّوا تلكم الولايتين بالجنوب الجديد. تلفون كوكو الذي عُرف عنه تديُّنه الشديد لم يكن شيوعياً ولم يؤمن في يوم من الأيام بنظرية السودان الجديد بتوجُّهها المعادي للإسلام ولذلك لم ينخرط في مشروع الثلاثي الشيوعي «عقار وعرمان والحلو» الذين ظلوا منذ نشأتهم حرباً على الإسلام. في مارس 2009 استُدعي الرجل إلى جوبا وانخدع للمرة الثانية حين ظنَّ أن الحركة ستناقش معه مستقبل النوبة وستقدِّم له عرضاً مغرياً يكافئ شعبه على ما قدَّم للحركة وجنوب السودان خلال فترة الحرب ولكن الحركة التي ترى الغدر سلوكاً نبيلاً اعتلقت الرجل الذي لا يزال رهين محبسه في قاعدة بلفام بجوبا. ظنت الحركة أنها باعتقال تلفون كوكو ستحرمه من المنافسة في انتخابات جنوب كردفان وتحُدُّ من تأثيره على فرص عبد العزيز الحلو الذي رشحته لمنصب الوالي ولكن الله تعالى أراد شيئاً آخر فقد أسهمت الأصوات التي حصل عليها كوكو في سقوط الحلو وفوز أحمد هارون وأتم الله نعمته علينا وخرج الحلو تماماً. إن على الحكومة السودانية واجباً أخلاقياً يحتِّم عليها أن تعمل على إطلاق تلفون كوكو المعتقل بلا محاكمة في خرق فاضح للقانون خاصة وأنه أصبح مواطناً شمالياً لا يجوز للحركة ولدولة جنوب السودان أن تحاكمه باعتباره جندياً في الجيش الشعبي فهذه التهمة الباطلة من الأساس لم يعد لها ما يسندها بعد أن انفصل الجنوب ولم يعد من حق دولة جنوب السودان تجنيد أجنبي في قواتها المسلحة.