عقب لقائه مع وزير الخارجية ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وتلقِّيه رسالة من رئيس الجمهورية نقلاها له، وعد رئيس دولة الجنوب سلفا كير ميارديت بالنظر في المعلومات والانشغالات حول دعم جوبا لمتمردي الجبهة الثورية وقطاع الشمال والتحقُّق منها، مع قوله «إن بلاده ليست لديها رغبة في الإضرار بمصالح السودان...» لو صدر هذا الحديث عن رئيس دولة في أقصى بقعة في العالم الفسيح أو في الواق الواق، ربما صدَّقه الناس، لكن أن يصدر عن رئيس دولة الجنوب، فإن ذلك يدعو للعجب والاستغراب والضحك.. لا يحتاج موضوع الدعم الذي تقدِّمه جوبا لمجموعة عملائها في قطاع الشمال والجبهة الثوريَّة وحركات دارفور لدليل وتحقُّق ونَظَر في المعلومات، فدولة الجنوب غارقة حتى أذنيها ومتورِّطة تغوص أقدامُها في هذا الوحل المُميت، وليس هناك ما يدعو قيادتَها للإنكار أو التنصُّل وعدم الاعتراف بهذا الدعم، فأين نشأت الجبهة الثوريَّة ومَن وراءها؟ وأين تُقيم قياداتُها وممَّن تتكوَّن هذه القيادات؟ وما هو قطاع الشمال في الحركة الشعبيَّة ومَن قيادته؟ ومَن الذي يقدِّم الدعم المالي والسلاح والتخطيط العسكري ومراكز التدريب ووسائل الحركة والإيواء والملاذات الآمنة والإقامة وجوازات السفر وغيرها.. لعناصر وقيادات هذه المجموعات المتمرِّدة التي تقاتل داخل الأراضي السودانيَّة ويتمُّ إمدادها من حكومة دولة الجنوب؟؟ ومنذ متى سحبت أو سرَّحت الفرقتين التاسعة والعاشرة التابعتين لجيش دولة الجنوب اللتين تقاتلان في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. ويتمتَّع الجنود في هاتين الفرقتين بكامل حقوقهم المالية والرواتب والترقيات من قبل قيادة جيش دولة الجنوب؟ حديث السيد سلفا كير لن يجد من يصدِّقه هنا في السودان، كل شيء معلوم مكشوف، خطة الحركة الشعبيَّة قبل الانفصال كانت واضحة ومعلومة وبعد الانفصال كانت أوضح وأكثر تجسيداً وتطبيقاً.. لم تنفصم الصلة بين جوبا وأي جهة سودانيَّة معارضة ومسلحة، ولم يتوقَّف الدعم ولم يتم فك أي ارتباط مع قطاع الشمال حتى هذه اللحظة!! الملف كبير ومعلوماته تفيض كما النهر، ليس محل إنكار أو تكذيب، فمَن يعرف حقيقة ما يجري من دعم وتسليح ومساندة، أكثر من سلفا كير وحكومته؟! ظلَّت جوبا تكذب وتتحرَّى الكذب، وكنا نصدِّقها ونظن أنها بعد توقيع الاتفاقيات الثماني والمصفوفات اللائي وُلدن من رحم هذه الاتفاقيات، أنَّ كلَّ شيء قد انتهي وأطلَّ فجر السلام والاستقرار، ففتحنا المعابر والحدود وانسابت السلع والبضائع وجرى البترول الجنوبي في الأنابيب نحو ميناء التصدير.. سلوك حكومة الجنوب لا يمكن مقابلته بطريقة حكومتنا المهذبة الراقية التي لا تحمل أي لغة تهديد ومعاملة بالمثل أو توعُّد بالرد على مثل هذه التصرفات الرعناء التي درجت عليها جوبا! لقد انتهى في عالم اليوم هذا الأسلوب في التعامل، يجب أن يكون حديثنا لسلفا كير وحكومته واضحاً.. إما أن ترعوي جوبا وتتوقَّف فوراً عن دعمها للمعارضة المسلحة وتسحب حتى عناصرها التي شاركت في الهجوم على أب كرشولا وأم روابة وتشارك في كل العمليات العسكريَّة في جنوب كردفان والنيل الأزرق... أو يكون لنا موقف آخر! إذا لم تتوقف يتم تجميد كل الاتفاقيات الموقَّعة معها، وهناك أكثر من بوابة جحيم يمكن فتحُها تجاه هذه الدُّويلة التي تلعب بالنار وهي لا تعلم أن الحريق سيلتهم ثيابَها ويشوي قلبَها.. لقد ملّ الشعب من هذه الطريقة في التعامل مع جوبا، ففي كل الحالات ومع وجود الوقائع والأدلَّة والشواهد والبرهان الساطع، تتخلَّص جوبا ببساطة من كل التهم ونغفر لها ونسامحها على فعلتها ونمحو خطاياها في حق بلادنا، على أمل أن تتعلَّم من الأيام وتنظر لمصالحها ومصالح الشعب الجنوبي، فإلى متى نصبر على هذا الأذى المتعاظم ونكظم الغيظ ونتحمَّل فوق طاقتنا؟ إلى متى؟!! وهل عند كل صفعة على خدِّنا الأيمن سنُدير خدَّنا الأيسر؟!!