تبقى الكلمة المكتوبة ذات أثر بالغ على المستوى الثقافي والعلمي للأمم والشعوب، ولولا تلك الكلمة لما تمكنا من معرفة التراث الفقهي والعلمي الذي خلفه لنا علماء أجلاء، سكبوا من أجله عصارة أمخاخهم، وعظيم جهدهم بحثاً وتنقيباً. ومما يؤسف له أن هذا الجيل قد اكتفى بالاطلاع على ما يكتب بشبكة الإنترنت وأصبحت المراجع وثمرات المطابع ملقاة على أرفف المكتبات، وبعضها يفترشه الباعة على قارعة الطريق، دون اكتراث لما تحويه من قيمة، وما ذرف من أجلها من جهد تتقاصر دونه الهمم خلال عصورٍ ارتفع فيها شأن العلم والعلماء بالتبجيل والاحترام. والكثير من الصحافيين الذين درجوا على الكتابة في صحفنا السيارة، لا أراهم قد غاصوا في بطون الكتب لإيجاد معالجات لأزمات الحاضر، باستصحاب تاريخ الذين سبقونا، وتخلو كتابات بعض الذين امتهنوا مهنة الصحافة، من جوانب العمق لغة، ومضموناً، وتنزع نحو المهاترة والمفردات التي لا تتناسب مع عصرٍ تدفقت فيه المعلومات، وأصبح العلم والمعرفة هما اللذان يقودان دفة التطور والقدرة على المنافسة في هذا المحيط اللجب من التقانات والبرمجيات التي كادت تسد علينا الفضاء، وتغرقنا في كثير من المغالطات بمزج الحقيقة بكثير مما هو زيف وبطلان. وبالنظر إلى ما يسكب من مداد كثيف، في صبيحة كل يوم ببلادنا، ومن خلال ما نطلع عليه بصحافة كثرت أسماؤها، ومحرروها، فإن الذي تقذف به المطابع من معلومات، لا يجد القارئ فيه ما يشبعه بل أصبحت الصحافة تسهم بشكل أو بآخر في تعمية ما هو ملموس على أرض الواقع بتحليلات فطيرة، ومقالات يعوزها الترتيب والتسلسل فلا يخرج القارئ منها إلا وقد أحاط بعقله التشويش، فلا يفرق بين خبر صادق، وواقع معاش. والمهنة الصحافية، تكاد تبقى غائبة بشكل كامل في تحليلات الخبر وأوضاع السياسة، وهموم المجتمع، ومسؤوليات الدولة، ذلك لأن الذين يفترض فيهم إبداء المعالجات، وتبيان أوجه القصور لم ينالوا تدريباً، فأصبح كاتب العمود الصحفي الذي كان سابقاً لا يكتب إلا إذا حفر اسمه في ضمير القراء، وصنع تاريخاً هو الصحفي المبتدئ الذي لا يحيط بفنون الكتابة، ولا يدرك من أين يبدأ، وإلى أين ينتهي ويا لحسرة أمة يقود خطى ثقافتها وإحاطتها من لم يشب عن الطوق، ولا يزال بمقياس الكتابة و إبداء الرأي في المهد صبياً. ولكي ندرك مهنة الصحافة بتطبيق وصفات العلاج اللازم، فإن إصدار الصحف، ومن يعملون في دورها يحتاجون إلى معايير تسقط عليهم وتلك مهمة تقع على عاتق اتحاد الصحافيين، ومجلس الصحافة، ومن يشرعون لتنظيم نشاطات العمل الصحفي. وليس من المعقول أن ندع مهنة الكتابة لمن يجهل أصولها، ونضحي بالرأي العام، بتركه نهباً لفاقدي التجربة، فيكون الحصاد اليومي بصحافتنا اليومية إسفافاً ومناطحة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، لتدمير عقول الأمة و شبابها، وهم الذين نطمح في عطائهم، وقيادتهم لدفة الحياة في مستقبل الأيام. وحقاً إذا كان هذا هو الهدف فعلينا أن نؤمن بأنَّ فاقد الشيء لا يعطيه، ونبحث جدياً عن الذي يملك العطاء الجزل، الذي به تتفتح العقول وتكثر الثمرات. «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ» «سورة إبراهيم آية 24»