الخرطوم ... حسن بركية تمر الصحافة السودانية بظروف عصيبة جداً وتتناسل المشاكل بمتوالية هندسية، حيث شهدت الفترة القليلة الماضية إرتفاعاً كبيراً في أسعار مدخلات الإنتاج الصحفي وخاصة الورق وبلغ سعر طن الورق حوالي 6500 جنيه سوداني أكثر من 1000دولار تقريبا وتقدر الزيادة التي حدثت في أسعار الورق بحوالي 40%. و بدأت بعض الصحف في تخفيض عدد لصفحات لمواجهة الإرتفاع الجنوني في أسعارالورق ومخالفة لوائح المجلس القومي للصحافة التي تلزم الصحف السياسية ب16 صفحة كحد أدني و12 صفحة للصحف الرياضية والفنية، غير أن المجلس القومي للصحافة رغم أنه لم يصدر مايفيد بقبوله تخفيض عدد الصفحات يبدو وكأنه يغض الطرف عن ذلك لعلمه بحال الصحافة والصحفيين. وتسعي المؤسسات الصحفية لإبتداع وسائل وحيل عديدة حتي تظل الصحافة السودانية علي قيد الحياة إلي حين إشعار آخر ، يري تيار داخل مجموعة ناشري الصحف ضرورة رفع سعر النسخة من جنيه إلي جنيه ونصف أو جنيهان وهناك تيار آخر يطالب بتخفيض عدد الصفحات وتري مجموعة بترك كل الخيارات متاحة دون الدخول في إتفاقيات جماعية ملزمة، وكان خيار رفع سعر الإعلانات قد إصطدم برفض الشركات الكبري ( شركات الإتصالات) ، وتري الشركات أن حالة الركود الحالية وإرتفاع تكاليف التشغيل وتدهور قيمة العملة الوطنية تحول دون فرض أي زيادات في أسعار الإعلانات. وبجانب المصاعب الإقتصادية التي تهدد بقاء ووجود الصحافة في السودان هنالك مصاعب وتحديات أخري لا حصر لها تمسك بخناق الصحافة والصحفيين ، حيث احتل السودان المرتبة (171) وجاء في مؤخرة الترتيب وفقا للتقرير السنوي لسجل الحريات الصحفية في العالم وفقا لما أصدرته منظمة "صحفيون بلا حدود" في تقريرها السنوي عن الحريات الصحفية في العالم. فقد احتل السودان المرتبة (171) في تصنيف المنظمة الذي شمل (179) دولة في حين تقدمت دولة جنوب السودان الوليدة علي السودان في الترتيب حيث أحتلت المرتبة (111). وتتعرض الحريات الصحفية لإنتهاك متواصل من قبل أجهزة الدولة وأصبح من المألوف جداً أن تصبح الخرطوم وتختفي صحيفة من الوجود بسبب المصادرة أو الإغلاق ويعتقل صحافي في حين تفاوض الخرطوم حاملي السلاح وبل تدخلهم حتي في القصر الجمهوري في حين يظل حملة الأقلام عرضة لكل أنواع التضييق والقمع. وحتي الجهات والمؤسسات المعنية بحماية الصحافة والصحفيين (اتحاد الصحفييين – مجلس الصحافة – وزارة الإعلام ) فهي بلاحول ولاقوة. ومن قال البروفيسور علي شمو رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات في حوار مع الزميلة (السوداني) .. ‘‘ عندما يتدخل جهاز الأمن وويصادر صحيفة ما نبدو بشكل ضعيف، ويصبح مجلس الصحافة بلا قيمة لأنه لا احد يستشيرنا في مثل هذه الاشياء، ولا قرارات تتخذ بموافقتنا وفي كثير من الاحيان نقرأ عن اغلاق ومصادرة الصحف في صحف اليوم التالي، أو نكتشف أن هناك صحيفة لم تصدر فنسأل فنعرف انها صودرت، وقطعاً هذا شكل أمام الناس (ما كويس) ويجعل المجلس ما عندو هيبة‘‘. أما اتحاد الصحفيين السودانيين فدوره لايتعدي إصدار بيان خجول عقب كل مصادرة أو حتي إغلاق الصحف وتشريد الصحفيين . وفي الأونة الأخيرة كثر الطرق علي المخاطر التي تواجه الصحافة السودانية والمهددات الكثيرة التي تحيط بها من كل جانب وخاصة أن الصحفييين (ظهرهم مكشوف) في غياب نقابة حقيقية تعبر عن همومهم وتدافع عنهم، ويظل الصحفي يواجه بمفرده كل نوائب الدهر ومصادفات المقادير،واتحاد الصحفيين يشغل نفسه بقضايا انصرافية وأصبح غريب الوجه واللسان في الوسط الصحفي لايأبه له أحد ولايتذكره صحفي . يقول النور أحمد النور رئيس تحرير صحيفة الصحافة الذي تحدث من قبل في ندوة شبكة الصحفييين السودانييين عن مستقبل مهنة الصحافة:‘‘ أن صناعة الصحافة مواجهة بالعديد من المشاكل بسبب الضرائب واستحقاقات المطابع وحجب الإعلان و الوضع يتطلب تعاون الجميع من اجل وضع حلول لإصلاح واقع العمل الصحفي. وقال تقرير صادر عن شبكة الصحفيين السودانيين أن مستقبل الصحافة في السودان سيكون في خطر ما لم تطبق إجراءات جادة لحماية الصحفيين من الانتهاكات المتعددة وسن قانون جديد يحظى بإجماع القاعدة الصحفية وتوسيع مشاركة الصحفيين فى ميثاق الشرف الصحفي والعمل علي صناعة مؤسسات صحفية راسخة. وكان الاستاذ عادل الباز رئيس تحرير صحيفة الأحداث قد رسم قاتمة جدا لواقع ومستقبل الصحافة السودانية وقال في ندوة شبكة الصحفيين السودانيين عن هموم ومستقبل مهنة الصحافة ‘‘مهنة غير مستقرة تحاصرها المشاكل من كل الجوانب، فكرة إندماج أكثر من صحيفة في مؤسسة واحدة فكرة غير واضحة المعالم وقيام مؤسسات صحفية كبيرة إحتمال ضعيف وبعيد المنال في الوقت الحالي وأفق الحل الفردي أفق مسدود وكل الناشرين يلعبون في الزمن الضائع وفي النهاية ستنهار كل المؤسسات الصحفية‘‘. وتتعدد أشكال و أنواع الضغوط التي تمارس علي الصحافة والعراقيل والعقبات التي توضع في طريق الصحافة السودانية ، من التضيق الاقتصادي برفع أسعار مدخلات الانتاج الصحفي والضرائب والأتاوات المختلفة والتحكم في سوق الإعلان والتدخل المباشر في تحديد (ماينشر ومالاينشر) والملاحقات والمحاكم ... الخ. وكان لافتا إعلان صحيفة ستزن الإنجليزية الإغتذار لقرائها عن الصدور بسبب ندرة الورق وجاء الإعلان كما يلي ‘‘تعتذر صحيفة ذا سيتزن لقرائها بعدم الصدور اليوم، ولذلك بسبب ازمة الورق التي تعاني منه بعض المطابع وانعدامه تماما في المطبعة التي تتعامل معها الصحيفة ‘‘. وتري العديد من المنظمات الدولية المعنية بالحريات الصحفية أن الصحافة السودانية تخضع لعدد من القواعد الصارمة المفروضة عليها من قبل جهاز المخابرات السودانية والأجهزة الأمنية الأخرى، والتى تمنع تماما نشر أية تصريحات لقادة حركات التمرد فى السودان سواء حركة تحرير السودان أو حركات التمرد الكائنة بدارفور. يقول الصحفي فيصل محمد صالح مؤخرا كثرت أوامر حظر النشر وتكاد تكون قاعدة ليصبح الشاذ عدم وجود الحظر وفي الغالب تستخدم أومر حظر النشر لحماية جهة حكومية وليس لحماية الضعفاء. ويضيف صالح أن واقع الحريات الصحفية في السودان يتدهور بصورة سريعة ويحتل السودان مرتبة متأخرة جدا في مؤشرات حرية الصحافة في العالم. والصحافة السودانية مواجهة بجملة من المشاكل التي لاحصر لها وهي في نظر الكثيرين تعيش في غرفة العناية المركزة وفي معالجات جادة وجذرية في مقدمتها إبعاد التدخل السلطوي في رسم مسار حركة الصحافة ، ثم بحث السبل الكفيلة بترقية الأداء و تطوير قدرات الصحفيين بالتدريب والتأهيل وقبل ذلك العمل علي إيجاد مؤسسات صحفية تستند علي قاعدة اقتصادية متينة ونقابة ترعي شأن الصحفيين وتدافع عن حقوق ومكتسبات الصحفيين.