إحباطات العطالة والفقر والعوز، وعدم القدرة على مواصلة التعليم، قادت حوالي »85%« من النزلاء للسجون والدخول لعالم الجريمة بمختلف أنواعها، وهذه النسبة تمثل عنصر الشباب، ودعونا سادتي نتأمل تجربة إصلاحهم وإعادة الثقة في ذاتهم وقدراتهم ومواهبهم، دون الغوص والوقوف كثيراً عند جنحهم وخطاياهم التي يتكفل بها غفَّار الذنوب. فما نراه من واقع بالسجون يحتاج لتضافر جهود ومبادرات رشيدة، خاصة وأن السجون ترفع شعار الإصلاح بديلاً للعقاب، وهو شعار مكلف يحتاج لمعينات ودراسات ومؤسسات مجتمعية، ولأن مخرجات هذا العمل تصب في مصلحة المجتمع. ولكم هذه الرواية الحقيقية من داخل سجن كوبر، حيث دخل النزيل الشاب »أبو بكر« بعد الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات والغرامة المالية، وهو لا يفرق بين الأزميل والشاكوش ولا مقاسات المسامير واستعمال الغراء، وبعد عام واحد فقط من سجنه صار نجاراً ماهراً بإمكانه تصميم غرفة نوم سعرها »9« آلاف جنيه وطقم جلوس ب »4« آلاف جنيه، واستطاع دفع غرامته مع إرسال مصاريف أهله من داخل السجن. أما النزيل »عبد الله« فقد تدرَّب على فنون ومهارات الكهرباء العامة وبإمكانه أن يقوم بمراجعة وتوصيلات المباني الكبيرة والمؤسسات المتعددة الأغراض. وهناك آخرون يقارب عددهم المائة نزيل تحولوا إلى مهنيين وعمال مهرة في أعمال الحدادة والنجارة والكهرباء. هذه الصفحات البيضاء من سجن كوبر الذي مد يديه لمؤسسة استقرار الشباب للعمل سوياً وإنفاذ سياسة الإصلاح وإقناع هؤلاء الشباب بالعيش الكريم وإشاعة روح التحدي لديهم، ولدى مؤسسة الاستقرار نفسها وهو تجاوز بالتحدي، من تمليك مشروع قابل للفشل أو النجاح، إلى مشروع مجتمعي لا مكان فيه للفشل، فقد أعلن الأستاذ مأمون حسن مدير المشروعات حرصهم على الانتقال بالتجربة من كوبر للولايات. ودعا المجتمع والقطاع الخاص للمساهمة في حماية الشباب بإتاحة هذه الفرص وإدخال حزم تدريبية جديدة، لأنهم فرغوا من تأهيل الورش وتصميم الدورات المتقدمة وتمليك النزلاء المهنيين معينات وشنط العمل. أفق قبل الأخير بالسجون، الكثير من الإشراقات، وبالمجتمع السوداني الكثير من الصفات النادرة والحصرية، وبسجن كوبر سابقة عالمية مهداة للباحثين والمطالبين بحقوق الإنسان: »لأول مرة يتم تكريم سجَّان على يد مسجونيه«. أفق أخير »أبوبكر« غادر السجن وقال ل »مأمون«: »معاك معلم«.