بخلاف عدد من الولاة والدستوريين يظل البروفيسور الزبير بشير طه حالة خاصة في المشهد السياسي ليس لتجربته التنفيذية أو الدستورية أو حتى مؤهله الأكاديمي في الحقل التعليمي وإنما لاندفاعه إلى الخطوط الأمامية مقاتلاً شرسًا يتقدم الصفوف يبعث الحماس وسط المجاهدين وفي باله أن لا عزة إلا بالجهاد تاركًا وراءه كرسي الحكم وأبهة السلطان إلى رحاب ساحات الفداء ولبس «5» وأكل الكوجا، ولم يترك الزبير أحداث أبوكرشولا تمر إلا أن يلبي رغبته فظل لأكثر من أسبوع متفقدًا الخطوط الأمامية للقوات المسلحة والمجاهدين... «الإنتباهة» جلست إلى المجاهد الزبير بشير هناك وخرجت بهذه الحصيلة من الحوار: رسمت الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة أبوكرشولا عدة سيناريوهات على المشهد السياسي والاجتماعي، كيف تقيِّم هذه الأحداث وطبيعة التعامل معها على المستويين الرسمي والشعبي؟ لا شك أن ما قامت به ما تسمى بالجبهة الثورية بالهجوم على أبو كرشولا وارتكابها جرائم وفظائع ضد المواطنين العزل وتشريدهم بعيدًا عن ديارهم يمثل هذا الاعتداء حلقة جديدة من سلسلة حلقات التآمر على السودان والذي تتولى كبره الدوائر الصليبية والصهيونية وهو صراع طويل وقديم منذ عدة قرون وسيمتد إلى المستقبل، وبالنسبة لنا كأمة مسلمة نعلم ونتيقن أن سنة الجهاد ماضية إلى يوم القيامة، فهذه هي حلقة من الصراع الممتد بين مشروعنا الوطني الذي يؤكد إعمار البلاد بالقرآن وبالعلم وبالخدمات والتنمية والعزة والكرامة الوطنية، فالمشروع الاستعماري يحاول إضعاف البلاد وإفقارها وسلبها القدرة على الدفاع عن مقدراتها وعن هُويتها ونظامها الاجتماعي المتماسك في إطارها القِيَمي ولذلك فإن كل ملامح هذا المشروع الاستعماري بدا ظاهرًا وبائنًا في هذا الهجوم على أبو كرشولا وأم روابة وغيرهما، والجبهة الثورية كشفت عن حقيقتها منذ تكوينها فهي مجموعة من المرتزقة ليس لها ماضٍ وليس لها هدف ولا مشروع سياسي في البلاد وإنما تخدم مصالح استعمارية ومصالح صهيونية في المنطقة. وكيف تنظر للدور الذي يقوم به كل من عقار وعرمان والحلو في هذه الأحداث؟ بالتأكيد هناك مكوِّن حرب، وهنالك مكلفون بإدارة هذه الحرب، وهناك من يعمل للتعاقد مع مقاولين حرب صغار لإحضار المرتزقة، وهذا ملاحظ في هذا المشهد، وكل الأدلة تشير إلى ذلك، وهناك أمثلة لهذه النماذج، وتورط هؤلاء بعدد من الدول الإفريقية وغيرها، وبالتالي ليس لهم مشروع وطني في السودان، وبالتأكيد أن هؤلاء من خلفهم مقاولون كبار وهم الحلو وعرمان وعقار، وهؤلاء بتكوين وتدبير وإسناد إعلامي ودبلوماسي من الدوائر الصهيونية الصليبية التي تشكل جزءًا مما يسمى بالنظام العالمي، ولذلك هذه هي طبيعة المعركة والملامح موجودة والاشتباكات والبينات الدامغة تؤكد ذلك، وهي محاولة تصب في العمل على إشعال نار الفتنة والانشقاق في مصلحة الاستعمار، وهي مبنية على سياسة فرق تسد لإضعاف المواطنين وسلبهم مقدراتهم وقدراتهم على الدفاع عن مواردهم وهويتهم، وبالتالي هي محاولة لبذر الفتنة بين المكوِّنات الديمغرافية الموجودة في المنطقة، لكن هذه المكوِّنات مدركة لطبيعة هذه الخديعة الماكرة ولم تستجب لها، وبالتالي حاولوا البحث عن عناصر لتنفيذ هذا المخطَّط. كثيرًا ما يتردد أن الحرب في جنوب كردفان بدأت تأخذ شكلاً قبليًا بين مكوِّنات المجتمع هناك، ما مدى صحة ذلك؟ من يقول إن هناك صراعًا بين العرب والنوبة فهذا ليس صحيحًا لأن ليس هناك عربي صرف وليس هناك إفريقي صرف، بل هناك عملية تمازج ثقافي حضاري عبر الزمن، تجمعت هذه القوميات السكانية في البلاد في قومية واحدة كما هو حاصل، فكل هذه المسائل واضحة في المشروع الاستعماري المتمثل في الهجوم على أبو كرشولا، وهي محاولة بائسة وفاشلة ندرك تمامًا عجز القائمين بأمرها، فالجبال الشرقية ظلت على النقيض تمامًا لمثل هذه الأهداف، وهذه المنطقة معلومة بحضارتها الإسلامية المتجذرة الممتدة من العباسية تقلي، وبالتالي هي أقوى من تلك الدعايات العاجزة والواهنة من قبل قَتَلَة وسفاكين دماء لأجل إضعاف العلاقة بين ممسكات الوحدة الوطنية في الحكومة الاتحادية وإضعاف دستورها ومواردها. استغلت الجبهة الثورية بعض العناصر بالداخل كخلايا نائمة مما أسهم بشكل كبير في الاعتداء على أبو كرشولا، نريد أن نعرف الطابور الخامس والحد من خطورته حتى لا تتكرر مثل هذه التجربة؟ أعتقد أن ما أثير حول الطابور الخامس فيه نوع من المبالغة والتهويل، فهذا المجتمع ظل متمسكًا بهويته وعقيدته وإرثه ومتمسك بحكومته طوال الفترة الفترة الماضية، وكذلك بحقه في الدفاع عن عرضه وأرضه ولن يجرؤ أحدٌ أن يؤثر عليه بإطلاق الشائعات، ولذلك فإن مسألة الطابور الخامس لا تعني عنده شيئًا ولن تؤثر عليه لكن الإشاعة في حد ذاتها سلوك جمعي سيكولوجي ويجب أن يتم التعامل معها على هذا الأساس وألا نردها ولا ننفيها ونحاربها عبر توفير المعلومة الصحيحة وسرعة توصيلها واستخدام أجهزة الإعلام المختلفة. ما مدى النجاح الذي تحقق من خلال حالة الاستنفار والتعبئة وتوافد قوافل الدعم وإسهامها في دعم المتأثرين؟ مثلت هذه الاعتداءات على أبو كرشولا مرحلة مفصلية تمايزت فيها الصفوف وتداعت لها كل قطاعات الشعب السوداني وهو لم يكن بالأمر الغريب على هذا الشعب وحالة الاستنفار والحشد والتعبئة التي انتظمت البلاد فقد تدافعت القوافل من كل المحليات ومنظمات المجتمع المدني والاتحادات الطلابية والمهنية وغيرها من الأحزاب الوطنية إلا العميلة وهي أحزاب معزولة تمامًا عن المجتمع وهنا لا بد أن أشيد بكل مواطني ولاية الجزيرة الذين كان لهم قصب السبق في القوافل والنفرة منذ الساعات الأولى للهجوم على أم روابة حيث تم إرسال «36» شاحنة إلى الرهدوأم روابة محملة بالمواد الغذائية والكساء والدواء إضافة للمجاهدين ممن دخلوا معارك عديدة وهذه حياتهم العادية منهم المعلمون والزراع والعمال وغيرهم من الذين ذهبوا إلى مناطق العمليات هناك لردع المعتدين أقول إن كل هذا يمثل قيم وأصالة الشعب السوداني في التكاتف والتعاضد في مثل هذه الملمات وبسالة جيشه المعلوم عبر التاريخ ببسالته وقوة إرادته في الذود عن ترابه وعرضه وهو ما قاله فيليب وورنر أحد السياسيين البريطانيين في مستعمراتها مستشهدًا بما شاهده وقرأه وسمعه في القرن التاسع من بطولات باستحالة هزيمة الجيش السوداني. الزبير بشير طه بين كرسي السلطة وساحات الفداء؟ ما أنا إلا واحد من هؤلاء القوم ولستُ بأهمهم إنما أنا تربينا في هذه المدرسة الطويلة دفاعًا عن الدين والوطن، وكما أنني أستاذ جامعي ليس لديَّ أفضل من هذه المهنة ونزولاً لرغبة البعض، وهذا ما نعود إليه مسلحين ونمارسه، ومثلي مثل الكثيرين لديَّ مجتمع أكاديمي أساتذة ومعلمين وطلابًا، ومجتمعي التنفيذي بولاية الجزيرة وعندما حدث هذا الأمر وهذا الانتهاك على أرض عزيرة مسخت علينا الحياة مثلنا مثل سائر المجاهدين وهو مجتمع نعيش فيه نحو عقدين ونتواصل ونتخاطب من الزمان، فإذا سمعنا داعيًا للجهاد نهض الناس جميعًا وما أنا إلا واحد وأقول أنا مجاهد قبل أن أكون واليًا وهو شرف لا يدانيه شرف. كثر الحديث حول مشاركة العديد من الجهات المعادية للسودان ودعمها للمتمردين، فكيف تنظر لمقدرة الشعب السوداني على هزيمة هذه المخططات؟ الحقيقة التي لا جدال فيها أن الشعب السوداني مدرك تمامًا حجم الصراع الذي بيننا وبين الصهيونية العالمية ورفضنا القاطع لكل أشكال التآمر ولهذا فإن معاداتنا معهم لم تكن وليدة لحظة والصراع بيننا وبينهم سيظل مستمرًا بنص الآية، ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، ولهذا فإن جوازنا متاح لكل الدول إلا إسرائيل، وكثير من الدول بما فيها بعض الدول الإسلامية والعربية طبَّعت علاقاتها مع إسرائيل إلا أننا لم نحاول مجرد محاولة لهذا الأمر، فالشعب السوداني يدرك من هم أعداؤه وطبيعة المعركة ويعلمون ظروف الابتلاء وأن هذه الابتلاءات لا بد لها من ضريبة وتضحيات وهذه تجسدت في غلاء الأسعار والمحاربة الاقتصادية والحظر المعلن وغير المعلن وقد استخدموا بعضًا من بني جلدتنا كمخالب قط لتنفيذ هذه الأجندة وهذه الدسائس وكلها ابتلاءات وامتحانات ظللنا نصبر عليها وسنصبر عليها لأن معركة الحق الباطل ماضية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. إذن كيف تفسر ما قامت به الجبهة الثورية من اعتداء على أبو كرشولا؟ في اعتقادي الجبهة الثورية وهي في الصحيح جبهة صورية باهتة وتافهة بها مجموعة من المرتزقة وقيادات لفظها الشعب جاءت لتنفذ أجندة ومؤامرة دولية وهي بذلك ليست ثورية لأن ما تقوم به لا يشبه الثورة ولا طبيعة الثورة، وما قامت به من اعتداء على أبو كرشولا أشعل فينا جذوة الجهاد والحماس، ورغم ذلك الشعب السوداني أصلاً معبأ بقيم الجهاد والاستشهاد، وطوال العقدين ظل المجاهدون يتقدمون الصفوف تلبية لنداء الوطن، هذا التفاعل جاء ضمنه الأدب الجهادي والمدرسة الجهادية، وهنا أقول نحنا فداك يا بلد وكت الخيول يدكن ونحنا فداك يا بلد وكت الحراب يتشكن ونحنا فداك يا وطن ونحنا راكزين يا وطن وكت الصفوف يتركن ويومك يا مجاهد السودان ياكا شهيد ما ببكن قطعًا مع هذه الظروف، ظروف الاعتداء على أبوكرشولا وغيرها من المناطق يجب أن تسكت كل أصوات الموسيقا ونعزف ألحانًا شجية من الدوشا والقرنوف ولغة الرصاص والتي لا يفهم العدو لغة غيرها وستكون معركة أبو كرشولا نهاية للتمرد والمرتزقة، فقد أنفقوا كل ما عندهم وستكون عليهم حسرة ووبالاً وخسرانًا مبينًا وسيكون لنا معها صقرية في الدارة وسنقاتل قتال من لا يخشى الموت فهو أمنية ننال بها إحدى الحسنيين إما النصر أو أن ألقى الله شهيدًا.