كثر الجدل في الآونة الأخيرة عما يُعرف بسد الألفية، ومن المؤسف أن هذا المشروع الخطير، رغم ما أحدثه من ضجة في مصر إلا أن صداه في السودان ميت، رغم أن هذا السد سيحدث تغيرات بيئية خطيرة، لم تتم دراستها رغم أن التغيرات البيئية المتوقعة لأي مشروع هي المؤشر الرئيس لقيام المشروع أو إلغائه!!. لم نسمع رأيًا فنياً واحداً من خبراء مياه النيل، رغم أن خبراء المياه في السودان تعتمد عليهم المنظمات العالمية كالبنك الدولي والأمم المتحدة والمجموعة الأوربية والاتحاد الإفريقي!!. كل ما قرأته بصدد هذا السد تصريح من وزارة الخارجية تحدّث عن عدم تأثير السد على السودان ومصر معاً، وحسب علمي أن وزارة الخارجية لا تضم خبراء مياه بعكس الخارجية المصرية التي تستقطب خبراء المياه في سلكها الدبلوماسي، وخاصة أولئك الذين تبعثهم إلى سفارتها في دول حوض النيل، فالخارجية المصرية حين تصرح بما يخص المياه، فإن ذلك يأتي من خبراء في شأن المياه، واختلاف الخارجية السودانية عن المصرية أن السودانية لا تعرف عن المياه إلا شربها باردة!!.. ومسألة المياه تتربع على قمة الأمن القومي لأي دولة، لذلك نجد أن جهاز الأمن المصري يضم كذلك خبراء مياه على مستوى عالٍ من العلم والخبرة، في حين أننا نضع مسألة المياه آخر اهتماماتنا الأمنية في حين أن المولى عز وجل ربط الماء بالأمن في قوله جل وعلا: «فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف». خبراء المياه الذين تم إبعادهم بتمزيق وزارتهم أصبحوا يتهيبون المشاركة في البرامج التلفزيونية التي تناقش هذه المسألة المصيرية. سد الألفية يبلغ ارتفاعه 145 مترًا وطوله 1800 متر وحجم التخزين فيه 74 مليار متر مكعب، لم يكن قد ورد في مقترحات إثيوبيا سد بهذا الحجم، كما لم يقدم ضمن المقترحات التي قدمتها إثيوبيا في مبادرة حوض النيل 1999، فالذي تقدمت به إثيوبيا من مشروعات مشابهة تمت دراستها وقبولها هي سد كردوبي وسد مابل وسد مندايا وسد بوردر وهي كلها بهدف إنتاج الكهرباء وهي مجتمعة تنتج 5570 ميقاوات!!.. هذه هي السدود المتفق عليها وتمت الموافقة عليها ولكن في الحادي والثلاثين من مارس 2011م أعلنت إثيوبيا وللمرة الأولى عن إنشاء هذا السد، وبعد يوم واحد من توقيع عقد بقيمة 4.8 مليار دولار دون أن تجري مناقصة عالمية مع شركة سالين للإنشاءات وهي إيطالية وفي أبريل 2011م قام ميلس زيناوي بوضع حجر الأساس للمشروع في الثاني من أبريل في ذلك العام!!.. إنتاجية السد من الكهرباء تعادل مجموعة إنتاجية السدود التي ذكرتها وتمت الموافقة عليها قانونياً يجب إخطار دول حوض النيل خاصة دول الأحباس العليا وهما دولتا السودان ومصر، وقد تم إخطار دول الأخرى للعلم فقط، وقد أخطرت الخارجية الإثيوبية السفارة المصرية في أديس كما أُرسل خطاب لوزير الري السوداني من وزارة المياه والطاقة، رغم أن مثل هذه المشروعات تناقش على أعلى المستويات في الدول الثلاث!!. تكلفة السدود الأربعة التي ذكرت أقل من تكلفة سد الألفية وهي سدود مدروسة ولا تشكل خطورة على السودان ومصر، وقد أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مع الصين لبناء سدين بتكلفة 1.9 مليار دولار لإنتاج ثلاثة ألف ميقاوات، وكنت كتبت يومها أن السودان كان من الممكن أن يدفع هذا المبلغ ويدفع إيجاراً سنوياً لهذه السدود ليستفيد من هذه الكهرباء أو يشارك إثيوبيا في هذه السدود، فتشييد السدود في السودان ذو تكلفة عالية بسبب عدم خبرة من يقوم بأمرها!!.. إخطار السفارة المصرية في أديس ووزارة الري في الخرطوم جاء بإرسال مسودة مرجعية إنشاء لجنة خبراء دولية لمراجعة وتقييم فوائد سد الألفية بالنسبة للدول الثلاث وأثره على دول خلف السد!!. يقولون إن فوائد التخزين في الهضبة الإثيوبية بالنسبة للسودان ومصر تتمثل في تنظيم التدفق المائي والحد من معدلات الطمي العالية، وهذه كلمة حق أريد بها باطل؛ لأن المشروعات التي اتفق عليها من قبل «السدود الأربعة» تقوم بهذا الدور خير قيام، وتقول الدراسات الجيولوجية إن السد سيحجز نحو 420 مليون طن من الطمي وهذا يقلل كثيراً من عمره الافتراضي ويجعله 25 عاماً فقط بحيث تكون بحيرة السد قد امتلأت تماماً بالطمي!!. ومنع الكميات من الطمي سنوياً سيطيل من عمر السدود في السودان ومصر بحيث يقدر الخبراء أن عمر السد العالي سيزيد مائة عام ليصبح ستمائة عام!!.. هذا ما ذكره الأستاذ الدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، وأضاف الأستاذ شراقي أن السد لن يستطيع تحمل كميات الطمي الكبيرة ومعدلات المياه الواردة للتخزين خلف السد وقد ينتج عنه تسونامي إفريقي شبيه بما حدث في اليابان وسواحل شرق آسيا يغرق المناطق التي تلي السد بما فيها الخرطوم، وقد يكون له أثره على السد العالي حسبما نقلته عنه صحيفة المصري اليوم!!. كما أن إثيوبيا ستخسر نصف مليون فدان من الأراضي التي تصلح للزراعة في إثيوبيا وهي قليلة أصلاً الأمر الذي اضطر إثيوبيا لزراعة أراضي السودان في الفشقة، وقد ذكر الدكتور شراقي أن إثيوبيا لن تستطيع حجز 74 مليار متر مكعب لأن أفضل التقديرات الجيولوجية المحايدة وأبرزها تقرير أمريكي أكدت أن السعة لن تزيد على 17 مليار متر مكعب!!. منطقة السد غنية بمياه الأمطار مقارنة بالساحل الشمالي لمصر فالمنطقة لا تحتاج لمياه النيل، في فصل الجفاف فإن حاجتها من مياه النيل لا تزيد عن 1.5 مليار متر مكعب من مجموع 3 مليار متر مكعب تصلها من روافد النيل في هذه المنطقة التي لا توجد بها أراضٍ زراعية أصلاً!!.. وقد توقع الخبير الجيولوجي أخطر تلك الخسائر وهي تزايد احتمالات انهيار السد خلال 25 عاماً بسبب التشققات الكبيرة للمنطقة الصخرية التي يقام عليها، وتزايد هذه المخاطر هي أن النيل الأزرق الرافد الرئيس لنهر النيل يحمل خمسة وخمسين ملياراً خلال ثلاثة أشهر فقط أي حوالى نصف مليار متر مكعب يومياً تصل إلى مليار متر مكعب مع معدل أمطار 800 مليون ميلي، كل هذه المياه إضافة إلى الكميات الهائلة من الطمي ستزيد من مخاطر انهيار السد، وتدفق هذه المياه في لحظة واحدة سيتسبَّب في تسونامي خطير بينما من الطبيعي تتوزع هذه الكمية على ثلاثة أشهر!!.. لماذا لا يتبادل الجانب الإثيوبي المعلومات مع الجانب السوداني والمصري حول بناء السد، خاصة مواصفاته الفنية وتعمل بحسن النوايا خاصة وقد أكد التقرير النهائي الذي قدمته اللجنة الثلاثية لتقييم آثار السد وموافقة إثيوبيا عليها سوف يفتح باب الأمل حول إمكانية تخفيض مخاطر السد على السودان ومصر خاصة بعد أن أكد التقرير النهائي أخطاء في تصاميم السد، وقد أوصت اللجنة بتعديلات في التصميم الحالي وكذلك تغيير وتعديل أبعاد وحجم السد قبل الشروع في التنفيذ ووضع جدول زمني لإيرادات النيل على مدى الستين عاماً المقبلة مع التأكيد على ضرورة إجراء دراسات استكمالية للتأكيد على سلامة وزيادة معدل أمان السد لإزالة المخاوف السودانية المصرية من احتمال انهياره!!.. خبير المياه العالمي دكتور مغاوري شحاتة دياب يقول إن التصميمات الأصلية لسد الحدود الذي أُطلق عليه فيما بعد سد الألفية تم وضعها بواسطة مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي وكان ارتفاعه آنذاك يتراوح ما بين 40 و45 مترًا على أقصى تقدير وطول محدود يصل إلى ألف متر وقد تم تغيير المواصفات بشكل مفاجئ حيث قامت الشركة الإيطالية بإعداد تصميمات جديدة للسد عقب إعلان إثيوبيا خطتها لإنشاء أربعة سدود يأتي في مقدمتها سد النهضة على الحدود الإثيوبية السودانية غير أن الشركة قامت بوضع تصميمات جديدة وبدراسات غير مكتملة وهذا ما جعل اللجنة الثلاثية المكلفة بتقييم آثار السد تقوم بإعداد المزيد من الدراسات. كمية المياه التي يحجزها السد حتى تصل إلى 47 مليار متر مكعب لتمتلئ البحيرة والمدة المقدرة لها ست سنوات، هذا يعني حجز 12 مليار متر مكعب سنوياً وهذا يقلل من ري ستة مليون فدان في السودان ومصر، أي أن نصيب السودان من المياه سيقل في هذه المدة ولمدة ست سنوات ثلاثة مليار متر مكعب وهذا يعني عدم زراعة حوالى اثنين مليون فدان تقريباً، أي أن السودان سيكتفي بموسم زراعي واحد، إما صيفي أو شتوي ولمدة ست سنوات، إلى جانب فقدان مصر ما يقرب من زراعة خمسة مليون فدان!!. هذه بعض المخاطر التي يشكلها سد الألفية، وأناشد خبراء المياه من مهندسين ومهندسين جيولوجيين ومهندسي الهايدرولوجي وكم هم كُثر وأكفاء في هذا المجال فالأمر يمس الأمن القومي السوداني، فهذا مجال علمي وتخصصي لا يصلح فيه تخبط وزارة الخارجية التي انزعج سفيرها في القاهرة من مخاطر السد وارتاحت لها الوزارة في الخرطوم وقامت بنفي أي مخاطر على السودان ومصر من سد الألفية، أرجو أن يدلي الخبراء والمختصون برأيهم العلمي والفني وتحتفظ وزارة الخارجية برأيها لنفسها، فهذا أمر مرتبط مباشرة بالأمن القومي للسودان، والتفريط فيه سيعرضنا جميعًا لسؤال المولى عز وجل يومئذ... فهل هناك من هو مستعد لتبرئة ذمته أمام المولى عز وجل؟!!..