لن يهدأ الجدل وردود الأفعال القوية في كل من السودان ومصر، حول عزم إثيوبيا البدء في مشروع تنفيذ سد النهضة أو سد الألفية العظيم، على نهر النيل الأزرق داخل الاراضي الإثيوبية في الجزء الغربي منها، وتثير هذه القضية منذ إعلان أديس أبابا الشروع في تحويل مجرى النيل الأزرق توطئة لبدء تنفيذ المشروع الضخم وهو إجراء طبيعي في بناء السدود بتغيير مجرى النهر في موقع التشييد، تثير هذه التطورات مخاوف حقيقية من أن تكون هناك أهداف أخرى وراء مشروع السد الذي أثبتت كل الدراسات الفنية والاقتصادية والتنموية عدم حاجة إثيوبيا له.. ويُخشى أن يكون المشروع برمته حلقة متقدمة في سلسلة حرب المياه والضغط على مصر والسودان، واستمرار التنازع بين دول حوض النيل عقب مشروع الاتفاقية الجديدة المختلف عليها خاصة تحفظات ورفض السودان ومصر لها.. ولا يخفى على أحد أن حرب المياه بكل تجليات صورها وطلائعها التي لاحت منذ فترة ليست بالقصيرة، لم تكن دولة الكيان الصهيوني بعيدة عنها، فقد قادت إسرائيل خلال السنوات الماضية تحركات حثيثة تعاظمت عقب سقوط نظام حسني مبارك للإسراع في تنفيذ إستراتيجية موضوعة أصلاً لخنق دول المصب في حوض النيل وهي مصر والسودان.. ولم تُخف الدوائر الرسمية الإسرائيلية ومراكز الدراسات والبحوث في الدولة اليهودية وواضعو السياسات الإستراتيجية، تأييدهم المطلق لقيام هذا السد وخنق مصر ومحاصرتها بملف المياه حيث تتناقص حصة مصر البالغة «55» مليار متر مكعب من المياه بقيام السد وستكون هناك آثار جيولوجية وبيئية وزراعية عديدة تُلقي بأعباء جسام على مصر وربما السودان أيضاً.. في الوقت الذي يؤكد فيه بعض الخبراء من دول حوض النيل وربما من السودان ومصر عدم وجود أية تأثيرات ذات بال على الدولتين سوى المخاطر من انهيار السد في غضون خمس وعشرين سنة عندما تزداد كميات الطمي ووجود انشقاقات صخرية ذات طبيعية جيولوجية في منطقة بناء وتشييد هذا السد الكبير.. تحتاج هذه القضية بكل تداعياتها ومضاعفاتها وتوقعاتها، إلى نقاشات وحوار عميق واتصالات سياسية على مستوى الرؤساء وإلى شفافية كاملة في تبادل المعلومات وشروحات وافية توضح كل ما يتعلق بالسد والمعلومات الدقيقة عنه وعن تصميمه والأهداف التي يخدمها وهل هو سد للتوليد الكهربائي أو للري والزراعة أو لأهداف أخرى.. وهذا الحوار الشفاف ضروري للغاية نسبة للشكوى التي جأر بها الكثير من خبراء بناء السدود في السودان ومصر عن غياب المعلومات التفصيلية الدقيقة وحرص الجانب الإثيوبي على عدم والوضوح حول هذا المشروع والذي وعد فيه رئيس الوزراء الإثيوبي السابق مليس زيناوي بتكوين لجنة مشتركة بين البلدان الثلاثة للتفاكر حول سد الألفية والوقوف على المنافع المرتجاة منه وللاطمئنان العام حول مدى الخسائر الناجمة من تشييده.. فيما يؤكد الإثيوبيون أن السد لا يشكل خصماً على حصة مصر من مياه النيل التي تطالب دول الحوض عدا السودان بخفضها وإعادة النظر في اتفاقية مياه النيل، وكذلك يؤكدون أنه ليس مستهدفاً مصر ولا السودان، فإن المخاوف في الخرطوم والقاهرة تبدو مخاوف حقيقية لا تنحصر في قيام السد وتحكمه في أكثر من «19» مليار متر مكعب أو تصل إلى «67» مليار متر مكعب هي السعة التخزينية لبحيرة السد المقترحة، إنما المخاوف على تناقص المساحات الزراعية في دولة الممر السودان ودولة المصب مصر.. وتناقص الطمي حيث يخزن سد الألفية ما يزيد عن 450 مليون طن من الطمي، فضلاً عن خوف حقيقي من انهيار السد الأمر الذي يهدد بغرق كل المناطق السودانية أمامه وتصل المياه إلى العاصمة الخرطوم التي تكون في مرمى المياه المتدفقة التي تساوي ما حدث في تسونامي جنوب شرق آسيا.. وحتى هذه اللحظة تبدو المشاورات بين الخرطوم والقاهرة على أشدها لبلورة موقف موحد من هذا السد، على خلفية أن حلقة من حلقات حرب المياه قد بدأت بالفعل كما توقَّع قبل أشهر قليلة مسؤول سعودي كبير في تصريحات له صدقت بالفعل وتحقَّقت كما قالها وتحسَّب لها...