عانت إفريقيا في الحقبة الاستعمارية متاعب جمة تمثلت في السيطرة على مواردها واستنزافها من قبل المستعمر، وبعد الاستقلال أصبحت الدول الإفريقية الحديثة تعاني من إشكاليات تتعلق بضعف البنية الاقتصادية والسياسية، فضلاً عن الإشكالات الأمنية مثل الحروب والنزاعات، مما انعكس على أداء هذه الدول. لذلك اتجهت إفريقيا إلى إنشاء تكتلات لبناء الأمة الإفريقية ابتداءً من قمة لاغوس 1980م التي كانت تهدف إلى وضع خطط تنموية لمحاصرة مشكلة الغذاء ودعم الزراعة وقطاع النقل والاتصالات، بالإضافة إلى اتفاقية أبوجا في عام 1991م، وإعلان القاهرة إنشاء آلية لمنع الصراعات في عام 1993م، وقمة توغو في عام 2000م لمنع تغيير الحكومات بوسائل غير دستورية. ومن هذا المنطلق قدم المركز العالمي للدراسات الإفريقية ورشة عمل حول «آفاق التكامل الإفريقي» بين دول القارة، حيث أمن جميع المشاركين على ضرورة وجود تكامل إفريقي، معتبرين أن الوقت الحالي هو أنسب الأوقات لبناء تكتل إقليمي وإفريقي، مؤكدين ضرورة معرفة الأفارقة أنفسهم «من نحن وأين نحن». ومن جانبه عرف الأستاذ بجامعة إفريقيا العالمية الدكتور مهدي دهب عبر ورقته « الدور السياسي والمجتمعي والإعلامي في سياق التكامل الإفريقي»، عرف التكامل انطلاقاً من تعريف آرنست هاس الذي يعرفه بأنه: عملية تحاول بمقتضاها مجموعة من الوحدات السياسية تحويل ولاءاتها وأهدافها ونشاطاتها السياسية، الاجتماعية، والاقتصادية إلى مركز أو وحدة أوسع وأشمل، بحيث تمتلك مؤسساتها أو تهدف إلى امتلاك الشرعية القانونية على الدول المعنية، كما وضع دكتور دهب عدة نظريات لتحقيق التكامل منها النظرية الاتحادية التي تقوم على أسس الوحدة الاندماجية، أو على إحدى صور الاتحادات بهدف تعظيم المنافع للتكامل وتقليل الخسائر، بالإضافة إلى نظرية الوظيفة الجديدة التي تقوم على تخلي النخب السياسية عن بعض مسؤولياتها في مجالات غير سياسية قد لا تحقق فيها نجاحات للمؤسسات، كما وضعت الورقة عدة شروط لضمان التكامل الإفريقي أجملتها في التطابق المتبادل بالنسبة للقيم الرئيسة المرتبطة بالسلوك السياسي. وأسلوب معيشة مميزة وجذاب، بالإضافة إلى زيادة ملحوظة في القدرات السياسية والإدارية، على الأقل بالنسبة لبعض الوحدات المشتركة توفر بعض الروابط الاجتماعية عبر الحدود المشتركة بالنسبة للأقاليم المرتقب تكاملها، مع وجود درجة عالية من سهولة الحركة بين الأشخاص جغرافياً واجتماعياً، على الأقل بين الطبقات السياسية المتقابلة، بالإضافة إلى تعدد المجالات وتدفق الاتصالات والمعاملات المشتركة، مع وجود معدل معقول من تكرار التداخل في أدوار الجماعات، كما عددت الورقة الفوائد التي تجنى من التكامل، منها تشجيع التجارة الحرة والتعددية الاقتصادية، جراء زيادة النشاط التجاري والصناعي وفتح أسواق جديدة، بالإضافة إلى القضاء على بعض أوجه عدم الكفاءة الناتجة عن اختلاف السياسات الاقتصادية والاستفادة من المزايا النسبية لكل دولة من دول التكتل، كما يحقق التكامل عدداً من الأهداف السياسية والاجتماعية والأمنية والعسكرية. بينما يرى الدكتور محمد عبد القادر الذي أمن على ضرورة وجود مدخل آخر في عملية التبادل التجاري، أن يكون التكامل مبنياً على قاعدة التجربة والممارسة والاستفادة من الأخطاء السابقة، مبيناً أن التجارة البينية بين دول إفريقيا هي 12% فقط مقارنة بالقارات والتكتلات الأخرى، بينما يرى عميد مركز البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة إفريقيا العالمية الدكتور يوسف خميس، أن كل التجمعات السابقة لم تنجح بسبب عدم الاستفادة من الأخطاء السابقة، بينما أمن السفير بوزارة الخارجية سليمان مصطفى على ضرورة إلغاء الحدود الجغرافية، مشيراً للعديد من المعيقات التي تعيق عملية التكامل الإفريقي، منها التجمعات شبه الإقليمية وندرة الأيدي العاملة المدربة، بالإضافة إلى الإرث الاستعماري الموجود منذ الاستعمار الذي يعمل على التفريق بين أبناء الوطن الواحد، وعدم القدرة على التنافس في الأسواق العالمية، ومن التحديات التي تواجه القارة الإفريقية غياب الديمقراطية وثقافة التكامل الاقتصادي وضعف شبكة الاتصال وازدواجية عضوية بعض دول التكتلات والتجمعات الاقتصادية والإقليمية. ويرى سليمان أن الحل يكمن في الاستفادة من التعددية الإثنية والعقدية والدينية والثقافية، كما أمن على ضرورة تخطي الإرث الاستعماري والعمل على البناء الوطني الداخلي، بالإضافة إلى تطويع العولمة لخدمة مصالح الأمة الإفريقية وتطوير فكرة التكامل.