إن النقاش بين الناس في المجتمعات العملية والأسرية شيء طبيعي بحكم اختلافهم في وجهات النظر، ولكن منهم من يلدّ ويفجُر في الخصومة متجاوزًا كل الحدود والضوابط الشرعية التي وضعتها شريعتنا السمحاء، فهنالك الكثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصريحة التي نهت عن الفجور في الخصومة، فقد قال صلى الله عليه وسلم «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، ورُوي عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله وسلم قال: «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم».. «البيت الكبير» أجرى استطلاعًا وسط عدد من الفئات لمعرفة رأيهم في هذا الموضوع ثم ختمنا جولتنا برأي الدين.. في بداية استطلاعنا التقينا الأستاذة نفيسة عبد الرحيم، قالت في إفادتها لنا: الفجور في الخصومة في رأيي الشخصي هو نوع من ضعف الإيمان لأن المؤمن الحقيقي سريع الغضب سريع الرضا، ولأن الشيطان يلعب بعقل الفرد ويعمل على تكبير و«تهويل» الأمور. ووصيتي للمتخاصمين عدم الفجور في الخصومة لأنها تعمل على نشر البغضاء بين الناس. أم أيمن عمر «طالبة جامعية» ترى أن الفجور في الخصومة من الأمور العظيمة ولكنها باتت منتشرة في المجتمعات خاصة المجتمع الطلابي وأضافت: كثير من مشكلات الطلاب مشكلات «هايفة» ولكنها تتعمق بفعل المكابرة والفجور في الخصومة وتدخل شياطين الإنس الذين يعملون على «شعللة» النيران والإيقاع بين الناس ونقل الكلام ولو بالكذب، كل ذلك يساعد في فتح أبواب الشيطان. إذا اهتدى الناس بهدى الكتاب والسنة فلن يكون هنالك خصومة ولا فجور بين الناس، هكذا ابتدرت «السارة موسى» حديثها، ثم أضافت: أنا أعرف إخوانًا أشقاء وصلت بينهم الخصومة حد الفجور، والسبب كان في تقسيم تركة والدهم بعد أن توفاه الله، وأنا كنت أقطن في ذات الحي الذي يقطنون به وشهدت كيف أن أحد الإخوان لم يأت إلى عقد قران ابنة أخيه رغم أنهم يسكنون في منزل واحد لا يفصل بينهم سوى جدار، ولم تفلح كل محاولات الأجاويد في إعادة المياه إلى مجاريها ورأب الصدع بينهما، وطبعًا هذا من ناحيه شرع خطأ مستفحل من ثلاثة جوانب: أولها: جانب الإسلام، وثانيًا صلة الرحم والقرابة، وثالثًا حق الجيرة، فالإسلام لم يترك شيئًا دون أن يضع له قانونًا وحدودًا. وعبد المنعم الفاضل «موظف» يرى أن بيئة العمل بيئة خصبة جدًا للخصومات والفجور فيها، حيث يكثر القيل والقال، ثم أضاف قائلاً: وهنالك بعض الناس لا همّ لهم سوى «نقل» الكلام بغرض الإيقاع بين الخصوم وهؤلاء أشد خطورة من الشياطين الحقيقية التي تفر هاربة بمجرد الاستعاذة منها، ولكني أرى أن السبب الأساسي وراء الفجور في الخصومة هو البعد عن الدين والشريعة الأسلامية التي نصت على عدم المغالاة في الخصومة فوق أكثر من ثلاث ليالٍ وحتى هذه الليالي الثلاث حُدِّدت حتى تهدأ النفوس. رأي الدين.. الأستاذ الصديق محمد.. «دبلوم دراسات إسلامية جامعة إفريقيا العالمية» أفادنا في هذا الصدد بقوله : نهى الإسلام عن الفجور في الخصومة وجعلها علامة من علامات النفاق الخالص. عن عبد الله بن عمرو أَن النبي صَلَّى الله عليه ووسلم قال: «أَربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر». قال الحافظ ابن حجر: الفجور هو: الميل عن الحق والاحتيال في رده. والمراد أنه إذا خاصم أحداً فعل كل السبل غير المشروعة، واحتال فيها حتى يأخذ الحق من خصمه، وهو بذلك مائل عن الصراط المستقيم. ولقد سمى الله في كتابه الكريم الفجر في الخصومة لدداً قال تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ». الألد الشديد اللدد أي الجدال، مشتق من اللديدَين وهما صفحتا العنق، والمعنى أنه من أي جانب أخذ من الخصومة قوي. ورُوي عن عائشة رضى الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : «إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ». والفجر في الخصومة يؤدي إلى الكثير من المشكلات الاجتماعية نذكر منها التحاسد والتباغض. عن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والتقاطع والتدابر. وربما يكون ذلك للأرحام والأقارب والواجب على المسلم أن يصل رحمه وإن قطعت به؛ فإنه كما في الحديث: ««ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها»، الكبر والعُجب. فالكبر وإعجاب المرء بنفسه يؤديان إلى تجاوز الحد في الخصومة وإلى رد الحق وغمط الناس. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر». وعبركم أوجه رسالة لكل من يفجر في الخصومة أن الشريعة الإسلامية نهت عن ذلك وأن الفجور في الخصومة من علامات النفاق وأن المؤمن الحق لا يمكن أن يوصف بالنفاق. وكثير من الخصومات تكون بين ذوي القربى والجيران وهنا يكون الإثم أعظم وهذه الخصومات عادة تكون لأسباب بسيطة ولكنها تتطور إذا لم تحسم في حينها.