مالت الشمس في إشعار بموعد الرحيل عندما جلست على الراكوبة العتيقة وانهالت بالحديدة على الفندك في ضربات رتيبة محولة حبات البن إلى رماد أسود.. كانت تفعل ذلك بشكل يومي الا انها اليوم كانت متوترة بسبب الضيف الذي دخل منذ وقت قصير.. هزت الموقد ووضعت اناء الماء عليه قبل ان تنهض لتدس وجهها في الثقب الذي يفضي الى باحة الرجال.. جالت ببصرها على وجه ابن عمها خالد بوسامته الزاعقة وحضوره المتفرد واناقته اللافتة التي يكملها بمسبحة انيقة يحملها معه اينما ذهب منذ ادائه لفريضة الحج «اي رياح احضرته اليوم هنا.. منذ اكثر من خمس سنوات لم يدخل منزلهم ماذا يريد اليوم؟». كان والدها قد بدأ يتحضر للصلاة عندما باغته خالد بطلب يدها للزواج توقفت اصابع والدها عند اذنيه دون ان يكمل وضوءه لفترة ليست قصيرة قبل ان يتبادل معه حديثًا قصيرًا سمعت نهايته: «اذا ماف مانع نعقد ونسافر لندن الأسبوع القادم». انتفضت وابتعدت عن الحائط وجلست تدق على الفندك من جديد وكل شياطين الماضي تلعب برأسها.. وتمنع المغريات من التأثير عليها احست بلهب يندلع داخلها وهي تردد «حوش عمو المضلم دا ما شافو من بتين وانا كنتا وين لما اتزوج الخواجية وبعدها بت حلتنا وانا قاعدة الليلة اختار بت عمو عشان شنو.. مفتكرني ما عارفة.. سبب طلاقاتو انو ما بجيب اطفال؟ قال بت عمي ومجبورة علي.. حتعيش معاي ومابتشمت فيني الناس». لمحت خيال ابيها امامها فرفعت رأسها فتح فمه ليتكلم فقالت بحسم وهدوء «لا».