دراسة معنى الغربة والاغتراب تحتاج لصفحات وكتب لتغطي كل جوانبها.. وبنظرة عميقة نتساءل: من هو المغترب؟ وماذا يعني الاغتراب؟ أسبابه.. إيجابياته وسلبياته.. وهل هو دليل عافية أم مؤشر ضياع وابتلاء.. وهل له نهاية؟ وما هي قناعات من هاجر؟ وهل الهروب من الواقع سيحل القضية؟ وهل نجح المغترب بهجرته في تضييق الفجوة بين الأسباب وتحقيق الغايات؟ وهل كل من شد الرحال خارج الوطن له هدف؟ وهل المغترب يعتبر خصمًا على استقرار وطنه وخسارة في اقتصاده أم العكس؟ مَن المتضرر البلد أم المغترب؟ أين تكمن المشكلة وكيف نشأت ثقافة الغربة في بلدنا !! هل كان أجدادنا يعرفون الغربة هكذا.. وماذا حدث حتى أصبح الاغتراب هَم كل شاب يتطلع إليه.. هي أسئلة كثيرة وملحة تحتاج إلى إجابة.. فالمغترب مجموعة من العوامل الكامنة والبراكين غير متفجرة وتناقضات متشعبة بعضها أسري وبعضها مادي وآخر بسبب مجتمع جائر لا يرحم، ورغمًا عن هذا الدولة تنظر لجانب تخفيف الأعباء على الأسر والنتيجة المغترب ضحية ويُساق إلى مصير مجهول وتسجل عليه فواتير وديون وهو لا يعرف هل سينجح في هذا النفق المظلم ليجد عملاً أم لا! ومن يتظاهر من المغتربين بالراحة وهدوء البال فأعتقد أنه يزيف الواقع، فالمسببات التي دفعته للاغتراب والهجرة لا تنتهي بل تلاحقه خارج الوطن وأن بقي لعشرات السنين.. إذن من المسؤول..المغترب أم الأسرة أم المجتمع أم الحكومة أم أن كل هذه الأشياء شكلت مجموعة لتحمل المسؤولية؟ معاناة المغتربين السودانيين بالخارج يدعونا للتساؤل: هل الدولة فسخت عقد الارتباط الوطني مع بنيها إلى درجة أنها أصبحت تلفظهم خارج ترابها بلا حساب؟ لا يهمها إلى أين «فالبعيد عن العين بعيد عن القلب» كما يقول المثل الشعبي، وإذا رجع تتذكره باتاواتها وقيودها.. والجانب الآخر الذي يفرض نفسه على هذا المغترب عندما يهاجر بأسرته وأبنائه للخارج سعيًا وراء الاستقرار المادي والنفسي لفلذات أكباده ولكنه يُواجه عند بلوغ أبنائه للمرحلة الجامعية بصعوبة الاستقرار النهائي ببلد المهجر فيُضطر إلى إرسالهم للوطن الأم وهنا تبرز أخطر مساوئ الاغتراب بابتعاد الآباء عن أبنائهم، وما يواجهونه من عقبات بين أهلهم سواء في التعليم أو الانصهار في المجتمع مما تجعل إسقاطات هذه الأشياء ثقيلة الحمل على نفسياتهم ولا يستطيعون أن يتحملونها فتبدأ هجرة النفور من البلد بالأرواح والتي دون شك يتبعها الجسد في أول سانحة يجدونها، وعندها تبدأ من جديد رحلة الهجرة وتدور ساقيتها بين جيل جديد لم يجد ما يصبو إليه ويتمناه في بلده.