لا شك أن الغربة لها ضريبة كبيرة وقاسية قابلة السداد من كل مغترب، وزواج أبناء المغتربين يعتبر أحد تلك الضرائب التي يدفعها المغترب، فهو يظل يركض وراء سبل كسب العيش، وتمضي السنوات بين يديه ليجد أبنائه ما بين ليلة وضحاها أصبحوا في سن الزواج خصوصًا البنات اللائي تطاولت أعمارهن، وهن في المهاجر بعيدًا عن أرض الوطن فيصبح هَم الاختيار أكبر من كل شيء. ٭٭ يقول عبد القادر علي مغترب بمنطقة النعيرية في حديثه ل «الإنتباهة»: أنا مغترب منذ أكثر من «28» عامًا ولدي من البنات أربع، ثلاث منهن في سن الزواج، وما يؤرقني أنني ربيتهن بعيدًا عن السودان فأنا أخشى تزوجهن من السودان لأنني لا أدري هل يستطعن التأقلم والتعايش مع الظروف والأجواء السودانية وتفهُّم المجتمع السوداني بمجاملاته وكل تفاصيله خاصة أن بناتي لم يعشن فيه كثيرًا.. هل سينجحن وأيضًا إذا زوجتهن من أبناء المغتربين هنا أخاف ألا يتفهموا أيضًا مع بعض نظرًا للاختلافات في السلوكيات والقيم التربوية وعدم المسؤولية لمعظم أبناء المغتربين الذين أعترف أن طريقة تربيتهم هنا في بلاد الغربة قائمة على الكبت وعدم اتاحة الحريات بمثل ما في السودان نظرًا لضيق المجتمع الذي يتحرك فيه الشاب، وأيضًا للخوف عليهم من المخاطر التي تحيط بهم في بلاد الغربة التي بها خليط من الجنسيات المختلفة. ٭٭ أما عثمان عبد الله فيقترح أن يتم التزاوج بين أبناء وبنات المغتربين نظرًا للسنين الطويلة التي انقضت والعُشرة بين الأسر ولتعميق التواصل بينهم هناك، ويقول: نحن عشنا في الغربة أكثر من السودان، ولكن الغربة وإن طالت فمصيرها تنتهي لهذا اقترح تعزيز العلاقات بين أسر المغتربين بالزواج بين أبنائهم حتى تتحول العلاقات من صداقات وعلاقات أسرية إلى انصهار لأن الأسر عندما تعود إلى السودان تنقطع علاقاتها ببعض، ولكن هذا الانصهار يجب أن يتم دون التدخل في الاختيار بمعنى أن يختار الأبناء بعضهم بعضا دون تدخل الأهل حتى لا يحدث ما لايحمد عقباه. ٭٭ فيما ترى حنان الفاتح مغتربة أن الغربة في حد ذاتها تعيق الزواج بالنسبة لأبناء المغتربين لأن الناس في السودان ينظرون لأبناء المغتربين بأنهم مدللون لا يستطيعون تحمل المسؤولية لذا يبتعدون عنهم دون التقرب أو التفاهم معهم، ولكن أقول إن أسر المغتربين يجب أن يكونوا أكثر حميمية وعلاقاتهم ببعض أقوى من العلاقات في السودان بسبب الوقت الكثر الذي يقضونه هناك لأن السودان يكون للمجاملات والمشاوير والعلاقات على حساب الوقت مع الأولاد والبنات، كما أن البنات في الغربة يتحملن المسؤولية فترى البنت تربي أخوانها مع أمها وتساعدها في البيت وتقوم بمهام أكبر من سنها مقارنة بالسودان لذا أعتقد أن البنت في الاغتراب انضج من البنت في السودان من ناحية المهام وأعباء المنزل، ولا أعتقد أنها تفشل في إدارة منزل زوجها، فالبنت في الاغتراب تكون ذات تربية سليمة بعيدة عن تدخل الأقارب الذي هو سمة أساسية في السودان بسبب الأسر الممتدة. ٭ ويرى الدكتور إبراهيم علي اختصاصي في الشؤون النفسية: إن قضية زواج الأبناء وخاصة البنات هَم ليس مقتصرًا على المغتربين فقط بل على كل الآباء ولكنه عند المغتربين يكون مسألة حساسة بسبب البعد عن الوطن الذي يحصر الأبناء في نطاق ضيق أو خانق مما يكون السبب ضعفًا في التجارب الشخصية للأبناء التي تكسبهم مجابهة مسؤولية الزواج كما أن بعدهم عن ثقافة البلد يكون عائقًا أمام انجاح تجاربهم ونسب الطلاق المرتفعة بين أبناء المغتربين تدل على قلة خبرتهم لتلافي مثل هذه العوارض، على المغتربين التواصل مع الأهل داخل وخارج السودان والنزول إلى الوطن باستمرار لربط الأبناء بالمجتمع وتقليل متطلبات الزواج وتيسير الزواج.