الذين لم يقرءوا التاريخ يظنون ما صنعته أمريكا بالعراق من احتلال وتقسيم أمرًا مفاجئًا جاء وليد الأحداث التي أنتجته، وما حدث في جنوب السودان له ذات الدوافع والأسباب، ولكن الحقيقة الكبرى أنهم نسوا أن ما يحدث الآن هو تحقيق وتنفيذ للمخطط الاستعماري الذي خططته وصاغته وأعلنته الصهيونية والصليبية العالمية؛ لتفتيت العالم الإسلامي، وتجزئته وتحويله إلى فسيفساء ورقية يكون فيه الكيان الصهيوني السيد المطاع، وذلك منذ إنشاء هذا الكيان الصهيوني على أرض فلسطين 1948م. وعندما ننشر هذه الوثيقة الخطيرة لبرنارد لويس فإننا نهدف إلى تعريف المسلمين بالمخطط، وخاصة الشباب الذين هم عماد الأمة وصانعو مستقبلها وحضارتها ونهضتها، والذين تعرضوا لأكبر عملية غسيل مخ يقوم بها فريق يعمل بدأب لخدمة المشروع الأمريكي الصهيوني فالأمر ليس مجرد نظرية مؤامرة مع ما نراه رأي العين ماثلاً أمامنا من حقائق في فلسطين والعراق والسودان وأفغانستان، والبقية آتية لا ريب إذا غفلنا. ويجب علينا ألّا ننسى ما حدث لنا وما يحدث الآن، ونتفطن لما يحاك لنا في المستقبل، ليكون هذا دافعًا لنا إلى العمل والحركة؛ لوقف الطوفان القادم.. لقد أوضحت وثائق كيفونيمKivunims التي نشرت في فبراير 1982م في الدورية التي تصدر باللغة العبرية Hebrew-languagemagazine Kivunim في القدس عن المنظمة الصهيونية العالمية تحت عنوان إستراتيجية إسرائيل خلال الثمانينيات كتبها«[1]» يورام بيك Yoram Beck رئيس المنشورات في قسم المعلومات التابع للمنظمة الصهيونية العالمية، وقد ترجمها إلى الإنكليزية الأستاذ في الكيمياء العضوية في الجامعة العبرية والناشط في حقوق الإنسان إسرائيل شاهاك Israel Shahak وقد احتوت هذه الوثائق على الخطة الكاملة لتفكيك وتقسيم العالم العربي إلى دويلات صغيرة وأشارت هذه الوثيقة إلى تقسيم مصر إلى أربع دول طبعًا هي دويلات وليست دولاً لأنها ستكون ضعيفة ولا تملك مقومات الدول وهي: «1» دولة سيناء وشرق الدلتا وتكون تحت النفوذ اليهودي ليتحقق بذلك حلم إسرائيل من النيل إلى الفرات. «2» دولة قبطية مسيحية تكون عاصمتها الإسكندرية تمتد من جنوب بني سويف حتى جنوبأسيوط وتتسع غرباً لتضم الفيوم ثم تمتد في خط صحراوي عبر وادي النطرون الذي يربط هذه المنطقة بالإسكندرية وتتسع مرة أخرى لتضم أجزاء من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسي مطروح. «3» دولة النوبة وعاصمتها أسوان تربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان تحت اسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبرى كما رسم حدودها المشروع الصهيوني. «4» دولة مصر الإسلامية وعاصمتها القاهرة تضم الجزء المتبقي من مصر ويراد لها أن تكون أيضًا ضمن نطاق إسرائيل الكبرى اعتماد الولاياتالمتحدة مشروع «برنارد لويس» لتقسيم الدول العربية والإسلامية لسياستها المستقبلية: في مقابلة أجرتها وكالة الإعلام مع برنارد لويس في 20/5/2005م قال الآتي بالنص: إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات؛ ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإنَّ عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة؛ لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان.. إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إمَّا أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقوم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية دون مجاملة ولا لين ولا هوادة ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة؛ ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوربا لتدمر الحضارة فيها. انتقد لويس محاولات الحل السلمي، وانتقد الانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان، واصفًا هذا الانسحاب بأنه عمل متسرِّع ولا مبرر له؛ فالكيان الصهيوني يمثل الخطوط الأمامية للحضارة الغربية، وهي تقف أمام الحقد الإسلامي الزائف نحو الغرب الأوربي والأمريكي. ولذلك فإن على الأمم الغربية أن تقف في وجه هذا الخطر البربري دون تلكُّؤ أو قصور، ولا داعي لاعتبارات الرأي العام العالمي. وعندما دعت أمريكا عام 2007م إلى مؤتمر أنابوليس للسلام، كتب لويس في صحيفة «وول ستريت» يقول: يجب ألا ننظر إلى هذا المؤتمر ونتائجه إلا باعتباره مجرد تكتيك موقوت، غايته تعزيز التحالف ضد الخطر الإيراني، وتسهيل تفكيك الدول العربية والإسلامية، ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضًا، كما فعلت أمريكا مع الهنود الحمر من قبل. يقول بريجنسكي.. مستشار الأمن القومي الأمريكي في عام 1980م والحرب العراقية الإيرانية مستعرة: إن المعضلة التي ستعاني منها الولاياتالمتحدة من الآن «1980م» هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران، تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس- بيكو[1]. l عقب إطلاق هذا التصريح وبتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون بدأ المؤرخ الصهيوني المتأمرك برنارد لويس بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعًا كلٍّ على حدة، ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي.. وغيرها، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه تشمل جميع الدول العربية والإسلامية المرشحة للتفتيت بوحي من مضمون تصريح بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي «[3]». في عام 1983م وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع الدكتور برنارد لويس، وبذلك تمَّ تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة.