بالرغم من أن ترتيب جمهورية مصر في ثورات الربيع التي انتظمت خمس دول عربية حتى الآن هو الثاني، إلا أن الأخيرة من أكثر دول الربيع التي تشهد اضطراباً كبيراً، تعاظم خطره أخيراً عقب ظهور «حركة تمرد» التي شرعت في الدعوة لإسقاط النظام، وتبنت مشروع التوقيعات المؤيدة لدعوتها، وقد تجاوزت تلك التوقيعات وفقاً لها، العشرين مليوناً كما تقول، وقد تطابق مذهب الحركة مع أحزاب المعارضة المصرية التي انتظمت ضمن ما عرف بجبهة الإنقاذ التي تضم عدة أحزاب منها حزب الدستور برئاسة محمد البرادعي وحزب المؤتمر بقيادة عمرو موسى وحزب بقيادة حمدين صباحي وغد الثورة بقيادة أيمن نور وغيرها. وقد سبق لهذه الأحزاب الدعوة في فترة سابقة لعصيان مدني عام، ولاحقاً طرحت المعارضة على الرئيس محمد مرسي الاتجاه صوب انتخابات رئاسية مبكرة، رفضها مرسي وقال في حوار مع صحيفة «الغارديان» البريطانية نشرته على موقعها، إن استقالته المبكرة «ستقلل من شرعية من سيأتون بعده، وبالتالي تدخل البلاد في فوضى لا نهائية». وأشار مرسي إلى أنه «لن تكون هناك ثورة ثانية بمصر»، وأنه «لا مجال على الإطلاق لأي حديث ضد الشرعية الدستورية»، لافتًا إلى أنه «يمكن للناس أن تتظاهر وتعبر عن آرائها، لكن المهم في كل هذا هو تبني وتطبيق الدستور، وهذه هي النقطة الحاسمة». ومن جانبها تولت «حركة تمرد» الدعوة لمظاهرة الثلاثين من يونيو التي دخلت يومها الثالث، وقد سبقتها في الثاني والعشرين من الشهر الفائت مطالبة البرادعي لمرسي بتقديم استقالته، وطالب رئيس حزب الدستور، القيادي في جبهة الإنقاذ كبرى جماعات المعارضة المصرية، محمد البرادعي يوم السبت 22 يونيو الرئيس المصري محمد مرسي بتقديم استقالته، وقال البرادعي خلال مؤتمر «ما بعد الرحيل» عقدته القوى المعارضة، إن الحكومة المصرية فشلت في إدارة كل الملفات، مؤكداً أن تظاهرات 30 يونيو التي ستشارك فيها معظم التيارات المعارضة ستكون تصحيحاً لمسار الثورة التي أطاحت بحسني مبارك قبل نحو عامين. فضلاً عن ذلك واجه مرسي وحزبه حرباً إعلامية شرسة لا سيما في الفضائيات ومنها فضائية الفراعين التي أساءت للرئيس بصورة مباشرة مما اضطر الحكومة لمقاضاتها وإيقاف بثها، ومثلها برنامج «البرنامج» الذي يقدمه الإعلامي باسم يوسف، وعلى خلفية المظاهرات المعارضة لمرسي في ميدان التحرير والموالية له في ميدان رابعة العدوية، والمخاطر الكبيرة التي أخذت تحدق بالبلاد في ظل أحداث العنف التي أدت لحرق دور حزب الحرية والعدالة في مناطق مختلفة، أصدر الجيش المصري بيانه الإثنين الماضي أمهل فيه القوى السياسية «48» ساعة لتحمل أعباء الظرف التاريخي الذي تمر به البلاد والاتفاق على مخرج من الأزمة السياسية التي تعصف بها، وإلا فإن القوات المسلحة ستعلن خريطة طريق للمستقبل، وكانت ردة فعل المعارضة و«حركة تمرد» الترحيب بالبيان الشيء الذي أدهش الكثيرين. فكيف ترضى أحزاب تنشد الديمقراطية بأيلولة الحكم للجيش؟ الناظر إلى مسار الانتخابات التي تتسم بالحرية على ندرتها في العالم العربي، يجد أن حركة الإخوان المسلمين التي فازت في الانتخابات التي خاضتها من خلال حزبها الحرية والعدالة عام 2012 ليست هي الحزب الإسلامي من نوعه الذي يواجه حرباً لاقتلاعه من السلطة التي وصلها عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة، فقد سبقه إلى ذلك حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر الذي فاز بالانتخابات التشريعية عام 1991 فتدخل الجيش في يناير 1992 وألغى الانتخابات. وفي شهر مارس التالي تم حل حزب الجبهة الإسلامية لتدخل البلاد في حرب دموية زهاء العشرة أعوام. وفي الألفية الثالثة عندما فازت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في الانتخابات التشريعية بفلسطين عام 2006 لم تعترف بها إسرائيل ولا الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تتشدق بالديمقراطية التي تضعها شرطاً للتعامل مع بعض الدول التي تزعم مجافاتها لها. وفي السودان عندما أعلن الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري عن اعتماده للشريعة الإسلامية نهجاً للحكم في سبتمبر 1983 لم ترض أمريكا برئاسة رونالد ريغان عن هذا التحول، فأوفدت جورج بوش الأب للخرطوم. وعقب تلك الزيارة أجرى نميري انقلاباً أبيض على الشريعة باعتقاله لرموز الإسلاميين وعلى رأسهم عرابهم حسن عبد الله الترابي، ولم يتورع عن سجن القضاة المسؤولين عن محاكم العدالة الناجزة، وفي مقدمتهم القاضي المكاشفي طه الكباشي والقاضي المهلاوي. مسؤول أمانة الفكر والدعوة بحزب المؤتمر الشعبي الإسلامي أبو بكر عبد الرازق ذهب إلى أن ما يحدث في مصر هو النسخة الأحدث لمناهضة حكم الإسلاميين الذين قدمتهم انتخابات ديمقراطية في بلدانهم. وقال في حديثه للصحيفة أمس، إن الانقلاب على شرعية حماس كان أيسر لأن فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن انحياز المجتمع الدولي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، لينتج عن ذلك انقسام المجتمع الفلسطيني إلى حكومتين في غزة ورام الله. أما الجزائر فقد انقلب الجيش على المشروع الإسلامي لجبهة الإنقاذ الإسلامية في المرحلة الأولى للانتخابات التي تفوقت فيها الجبهة بصورة كاسحة دون أن ينتظر الوصول للنتائج في المرحلة النهائية في الانتخابا، مشيراً إلى أن الأوضاع المحلية والدولية آنذاك لم تكن كما هي عليه اليوم في مصر وتونس، وفي ما يلي الشأن المصري أوضح أن المعارضة العلمانية عبر تاريخ مصر كانت على سطح الحياة السياسية موجودة بكثافة في أجهزة الإعلام، ولفت إلى كل الفضائيات المصرية باستثناء القومية وقناة «25» تساند المعارضة. وأشار إلى عدد من أجهزة الإعلام العربي التي تساندهم، من خلال الصورة التلفزيونية التي تبرز كثافة مظاهرات المعارضة وتتجاهل كثافة مظاهرات الإسلاميين التي تساوي أربعة أضعاف نظيرتها العلمانية، كما امتنعت تلك القنوات عن نشر امتناع الإسلاميين من الحج لميادين المظاهرات خشية وقوع قتلى أو إصابات جراء الاحتكاك مع الطرف الآخر. ومن تلك القنوات وفقاً لعبد الرازق العربية وإسكاي نيوز العربية والميادين والحرة الأمريكية التي تجاوزت المصداقية والمهنية في مساندتها للمعارضة المصرية، وحول ما اذا كانت المعارضة ستنجح في هدفها برحيل مرسي قال يصعب على المعارضة ويستحيل على الجيش الذي لا تدري المعارضة موقفه الحقيقي أن ينقلب على مرسي لاعتبارات يعلمها الجيش وتجهلها المعارضة. ونوه الى أن الإطاحة بمرسي عبر القوة سيفضي إلى حرب أهلية طاحنة ونتائج لا تؤمن عاقبتها. وعاب عبد الرازق على المعارضة المصرية عدم احترامها لقواعد اللعبة الديمقراطية وقواعدها، كما أنها تنسق تنسيقاً تاماً مع فلول نظام مبارك الذين يقودون منصة التحرير، وعن توقعاته لمآلات الأحداث في مصر، أبدى تفاؤله بتجاوز مصر لهذه الأزمة بسهولة، وأن المعارضة لن تستطيع تغيير نظام الحكم مهما دعمتها وسائط الإعلام المعادية للإسلاميين.