للأمير البطل عبد الرحمن النجومي أمير أمراء المهدية وأمير أمراء الراية الحمراء وقائد قواد المهدية الملقب ب (سيف الله المسلول)، وفاتح كردفان والداير والخرطوم تاريخ مليء بالبطولات، ومواقف الرجال... مما جعله مصدر فخر لأهل السودان عامة ولأحفاده خاصة، حتى الآن. وبعد انتصاره في معركة شيكان، وجَّه جنوده بعدم سبي النساء، كما العادة في الحروب وقتها، وأمرهم بالزواج منهنَّ لمن أراد ذلك، وتزوج هو (ستنا) ابنة مدير مديرية كردفان أحمد بك دفع الله والذي قُتل في المعركة بعد موافقتها على ذلك، ومنها أنجب ابنه عبد الله، ورافقته زوجته هذه في معركة توشكي، وبعد مقتله هناك، أخذ الإنجليز ابنه عبد الله إلى بريطانيا وتم تنصيره وأُدخل الكلية الحربية... وشارك بفعالية في الأحداث السياسية المصرية. قوة خارقة يقول حفيده السفير محمد عثمان النجومي إن مسيرة حياة الأمير النجومي التي حدَّثهم عنها بعض أسلافهم الذين عاصروا فترة نشأته منذ مولده في قرية (مويس) غرب شندي عام 1854م، إن والده توسَّم فيه ذكاء وسلامة فؤاد وهو ابن عامين اثنين، وتنبأ له بمستقبل باهر ومضى إلى ربه. أخذته والدتُه زينب بنت إبراهيم بن عبد الرحمن بن الشيخ الشهيد خوجلي أبو الجاز المحسي، إلى مسيد جدها الشيخ خوجلي أبو الجاز، فكان حي (الصبابي) مرتع طفولته مع والدته، وبين أهلها، أهل الصلاح والدين .. وفي خلاوي الشيخ خوجلي تعلم مبادئ الدين، لينتقل بعدها إلى خلاوي الغبش، وشاء الله أن يلتقي هناك بمحمد أحمد بن عبد الله الذي كان يكبره بثمانية أعوام، حيث كان الرباط الروحي بينهما، وصداقة شاء الله أن تتصل، لتصنعا تاريخاً مجيداً للوطن وإعلاءً لراية الدين، وتطبيقاً لشرع الله. وصدقت نبوءة والده الذي ينتمي إلى قبيلة الجعليين فرع النافعاب، وظهر ذلك في خَلْقه، فقد كان واسع الجبين عريض المنكبين، فسمة الجبين العريض دلالة على الذكاء الخارق وسعة العين دلالة على النظرة الثاقبة وبُعد النظر. وعرض المنكبين دلالة على القوَّة الخارقة. شغفه الشديد بمعرفة الأماكن وطبيعتها الجغرافية ساعده كثيرًا في تخطيط المعارك وخاصَّة حصار الخرطوم. وذات صباح رأته عمته رقية في حلة الحرب فقالت: (الجنزير في النجوم زي الهيكل المنظوم ما بخاف في المحاصة دموم) (العيشتو مو عوايل جدك بيضبح الشايل ... اضرب كفك الطايل ... ما تراه الجنزير سمح وخايل). بعد أن حفظ النجومى القرآن عمل تاجرًا للغلال بالكوَّة بالنيل الأبيض وعندما سمع بالدعوة المهدية، انطلق إلى الجزيرة أبا والتقى المهدي الذي استقبله حافيًا وشارك المهدي في أول معاركه وكان عمره وقتها (27) عامًا. وعقب الانتصارات التي حققها في شيكان، وفي الأبيض، وفي بارا، حيث اختاره فيها قائد الثورة، أميرًا للحصار، لما وجده فيه من قوة الإيمان، وصدق العقيدة والمقصد، وعزم الرجال، وثبات البيعة، وفن التخطيط العسكري ومهارته فيه، ليقود تلك الحملات في تلك البقاع... ولكل تلك الصفات النادرة التي لا تتوفر إلا في الشخصية الكاريزمية كُلِّف ليكون أميراً لحصار الخرطوم والاستيلاء عليها من قبضة المُستعمِر، وهو يقود (60) ألفاً من المقاتلين الأشاوس، مسلحين بالإيمان، والبنادق والمدافع، وعسكر في القوز، ليواجه طابية الكلاكلة التي احتشدت داخلها أكبر قوة من جنود العدو وعتاده. وأحكمت قواته الطوق وضيَّقت الخناق على الخرطوم بالرجال والعتاد، موزعاً قواته في مواجهة تحصينات الخرطوم. وبعد أن رتَّب جيوشه بذلك الإحكام المتين، أرسل إلى غردون خطاباً، يطلب منه أن يُحكِّم صوت العقل، و يتخلَّى عن عنجهيَّة تورده، وأهل الخرطوم، الهلاك، واستنفد الأمير كل السبل لإثناء الجنرال المغرور عن استكباره، لم يكن له بد من أن يُحكم الحصار على الخرطوم بصورة أوثق، ويُرسل دانات مدافعه إلى القصر وإلى السوق.. بدأ القصف من بعد صلاة الفجر حتى المساء دون توقف إلا قليلاً، عند صلاة الظهر، حتى سقطت الخرطوم، التي فرَّ حاكمُها، ظاناً أنَّ النجاة في أن يستقل باخرة (البوردين) الرابضة أمام قصره، بيد أنَّ الثوار اقتفوا أثرَه حيث كان مصرعه على مقربة من الباخرة، وليس كما يزعم أهله أنه ارتدى حلته العسكرية، متسلحاً بمسدسه ليواجه الثوار، حيث سقط على درجات قصره. بطل .. بلا زاد ويقول السفير محمد عثمان النجومي عن ملامح جده، إنها جسَّدها شيخ شعراء السودان، الشاعر عبد الله الشيخ البشير ببضعة أبيات في ملحمته الشعرية (أبطال .. بلا زاد) و هي تمنحنا وصفاً معبِّراً وصورة له، إذ يقول: باهي الشلوخ ناصع الجبين يعتز في تواضع رصين وكان أقنى شامخ العرنين وأخضراً ذا معدن ثمين وكان مشغوف الهوى بالدين ومولعاً بالسيف والمتون من رآه إذا هبَّ للكريم في وجه جبّار القوى متين فرده مجذع الوتين وبثت الغابة للرعان ملاحنا من قوسه المرنان. ويقول حفيد الأمير الأستاذ النجومي بشرى مدير الإعلام بمنظمة الدعوة الإسلامية إن جده بعد سقوط الخرطوم كلَّفه المهدي بالاتجاه شمالاً وفتح مصر، فاتجه شمالاً حتى توشكي داخل الأراضي المصرية، ورافقته في هذه الحملة زوجته ستنا بنت أحمد بك دفع الله وابنها عبد الله. وقُتل الأمير ود النجومي في توشكي في (3)/ أغسطس/ (1889م). ويحكي الأستاذ النجومي أن زوجة جده قالت إنه عندما سقط في أرض المعركة تحلَّق حوله القواد المصريون والإنجليز وفجأة هبَّت نسمة هواء فحرَّكت جِبَّته فما كان منهم إلا أن ارتعدوا خوفًا وحاول بعضُهم الفرار. ويقول الأستاذ النجومي إن جدَّه دُفن في نفس مكان المعركة ولكن عند تعلية خزان أسوان وصلت قبره المياه فتم نبشُه ودفنُه بعيدًا عن مكان المعركة وأُقيمت عليه قبة من الرخام والمرمر. ويشير إلى أنَّ أحفاده تداولوا في نقل رفاته إلى السودان، ورجحت كفة أن يبقى في مكان استشهاده. يارو الملك وعن أبناء الأمير ود النجومي يقول السفير محمد عثمان إن له سبعة أبناء (محمد أحمد حاج محمد شريف صديق عثمان عبد الله) وثلاث بنات (زينب كلثوم فاطمة). وله أحفاد كثر في جميع مناطق السودان نذكر على سبيل المثال لا الحصر أبناؤه في أم درمان وهو البيت الكبير لعائلته ومنه تفرَّعت باقي الأفخاذ في سنجة والروصيرص وشندي وكبوشية والجزيرة (عديد البشاقرة + التكينة) ولا ننسى أيضاً أحفاده في منطقة الشيخ الكباشي (آل النجومي) الذين لهم باع طويل في هذه القرية. ويقول السفير عثمان إن عمَّه عبد الله أخذه الإنجليز بعد معركة توشكي إلى بريطانيا وقاموا بتعليمه وتدريبه كما قاموا بتنصيره، وشارك تحت إمرتهم في قوة دفاع السودان عام (1942م) وعيَّنه الإنجليز مأمورًا على كبويتا، وتزوَّج من بريطانية وأنجب منها ولدًا يعمل الآن هناك طيارًَا، ثم عاد إلى مصر وعاد إلى الإسلام أكثرة قوَّة وتقوى. وفي مصر عُيِّن قائد مقام (كبير الياورات) للملك فاروق، ومحمد نجيب بعد الثورة حتى يوليو (1952م)، وترقى إلى درجة مساعد فاروق، وعضو مجلس إدارة معهد فؤاد الأول لبحوث الصحراء وعلاّمة في الطيور وله كتاب (الطيور المصرية) الصادر (1950م). ولعب اللواء عبد الله النجومي باشا أدوارًا سياسيَّة كبرى في تاريخ مصر السياسي خاصة إبان ثورة (23) يوليو، وعندما قدَّم اللواء محمد نجيب استقالته من الجيش، أقنعه الياور عبد الله النجومي باشا بسحبها. وبعدها عمل مديرًا لحديقة الحيوانات بالجيزة، وتزوَّج من مصرية وولد منها ابنه الوحيد (إبراهيم) الذي يعمل الآن طيارًا بوقاية النباتات.