٭ قبل السرد عن دور الشيخ العبيد ود بدر وابنائه ابراهيم والعباس في مناصرة الدعوة المهدية وفي تحرير الخرطوم عاصمة البلاد في 62 يناير سنة 5881م، لا بد من التذكير ببعض مقولات الشيخ المشهورة، فقال: كان جاكم زول مني بى خبير قيسوهو على شريعة الخير كان زيها قلتو وكان ما زيها ما قلتو، وقال في الكرم: كان جاك ضيف اصرف المندس وونسو لمن ينعس وقدمو لمن يقول بس. وقال مخاطباً عبد القادر حلمي حكمدار عام السودان: كان بتسمع كلام الخريف اللى ما بكيف أخير ليك تريف قبل ما الخرطوم تصيف. ولمع نجم الشيخ العبيد ود بدر وذاع صيته وكثر اتباعه عندما أسس الخلاوي والمساجد في النخيرة وأم ضواً بان حوالى سنة 0581م. ونشأ الشيخ العبيد وفي ذاكرته فظاعة وقسوة حملات الحكم التركي الحربية على أهله الجعليين، وكان قبلة للفارين من هذه الحملات. وصارت البلاد تتحرى ظهور المنقذ بعد أن عمَّ الفساد وهتكت الأعراض وكثر التنكيل بأهل البلاد. وظهر الإمام محمد أحمد المهدي في الجزيرة أبا سنة 1881م معلناً عن مهديته، داعياً الى العودة بالاسلام الى سالف عهده، باعثاً سُنة الجهاد في سبيل الله. وبادر كثير من مشائخ الطرق الصوفية الى مناصرة الدعوة المهدية، وخاضوا المعارك ضد الاتراك، واستشهد منهم كثر قرباناً للدعوة المهدية، ونذكر من هؤلاء وهم من أبكار الدعوة الشيخ/ الشريف أحمد ود طه من كبار مشائخ الطريقة السمانية بين ابو حراز/ رفاعة واستشهد سنة 2881م، والشيخ/ أحمد المكاشفي من كبار فقهاء الكواهلة، واستشهد في واقعة المرابيع سنة 3881م، وأخوه الشيخ/ عامر المكاشفي، وثار بالجزيرة الشيخ/محمد الطيب ود البصير، وانضم الشريف محمد الأمين الهندي للامام المهدي في كردفان، وناصر الدعوة الشيخ المضوي عبد الرحمن وهو من ذرية الشيخ/ ادريس ود الارباب وخريج الازهر الشريف في سنار، وتمرد الشيخ/ عبد القادر ود أم مريوم القاضي في الكلاكلات. وخاطب الإمام محمد المهدي مشائخ الطرق الصوفية الذين يقيمون حول الخرطوم وفيهم الشيخ العبيد ود بدر في بدء حصار الخرطوم ومهاجمة الحاميات العسكرية التي حول الخرطوم. وفي ذات الأثناء قام حكمدار السودان عبد القادر حلمي بزيارة الشيخ العبيد ود بدر في أم ضواً بان مستفسراً عن شأن المهدية، فنصحه الشيخ/ بمغادرة البلاد قبل قدوم الامير/ ابو قرجة، فاستجاب الحكمدار وقام الخديوي في مصر بعد التشاور مع الانجليز بإرسال غردون بديلاً لقمع الدعوة المهدية. وعندما قدم غردون الخرطوم بعث برسائل الى الشيخ/ العبيد ود بدر للحضور للتفاكر في واقع الدعوة المهدية وكيفية القضاء عليها، وفي ذات الوقت بعث الإمام محمد المهدي بعدة مكاتبات للشيخ/ العبيد ود بدر طالباً التصديق بأمر مهديته وبدء حصار ومهاجمة الخرطوم، وبعد حين رفض الشيخ/ العبيد ود بدر دعوة غردون وأعلن العصيان على النظام التركي الانجليزي المصري ومناصرة الدعوة المهدية، وتوافد مريدوه من المناطق القريبة كالمسلمية والعسيلات والمغاربة والمحس والعبدلاب والجعليين والبطاحين والشكرية، ولما كانت السن قد تقدمت بالشيخ/ العبيد ود بدر كان يتحرك وهو محمول على عنقريب، فقام باستدعاء أبنائه إبراهيم والعباس لينوبوا عنه في بدء الحصار وقيادة المعارك، وأمر بإنشاء معسكر بام ضواً بان لاستيعاب جحافل المجاهدين، ثم بعث بابنه الفقيه إبراهيم الى الامام محمد المهدي في الابيض ليبايعه نيابةً عنه، وذهب إبراهيم وبايعه وعاد أميراً على قومه. وفي مارس 4881م بدأت قوات الشيخ/ العبيد ود بدر تحت قيادة ابنه ابراهيم الهجوم على حامية الحلفاية العسكرية، وتمكن من الاستيلاء عليها، وكانت هذه اول معارك تحرير الخرطوم. وبهذا الانتصار منع غردون من التوجه شمالاً لاستعادة حامية بربر المنفذ الى مصر، والتي كانت من أهدافه الاستراتيجية، وعلى إثر الهزيمة أرسل غردون قوة برئاسة سكرتيره الخاص إبراهيم فوزي وبصحبه باخرتين لاستعادة حامية الحلفاية، فأباد الأنصار القوة، وفر إبراهيم فوزي إلى الخرطوم، وبعد فترة قصيرة جهز غردون قوة ثالثة أكثر قوةً وعتاداً، وهزمت وقتل الكثيرون وفر الباقون، وغنم الأنصار الأسلحة والذخائر. واستقرت الأوضاع بالمنطقة لصالح الشيخ/ العبيد ود بدر لفترة من الزمان، وعمل بتوجيه الإمام محمد المهدي لحصار الخرطوم، وتوزعت قوات الشيخ/ العبيد ود بدر على عدة أماكن، فنجد الفقيه الأمير/ إبراهيم العبيد والشيخ المضوي عبد الرحمن قد نزلا جهة قبة الشيخ/ خوجلي لحصار الخرطوم من جهة الشمال، واجتاز الشيخ/ العباس العبيد النيل الأزرق ونزل بجهة الجريف لحصار الخرطوم من الجهة الجنوبية، وقاد الشيخ/ عبد القادر ود أم مريوم القاضي الحصار على النيل الابيض جهة الكلاكلات، كما تحرك الشيخ/ محمد الأمين ود أم حقين لحصار الخرطوم من جهة شمال أم درمان، والشيخ/ أحمد أبو ضفيرة الجموعي من جهة جنوبام درمان، ومنعا أى مدد حربي أو غيره للخرطوم. واغتنم غردون توزيع قوات الشيخ/ العبيد ود بدر وشن هجوماً مباغتاً على القوات المرابطة بالحلفاية، فتغلب عليهم لقلة عددهم وعتادهم، فانسحبت القوة الى معسكر شمبات، فأمرهم الشيخ/ العبيد ود بدر بالتوجه الى معسكر ام ضواً بان للاعداد للمعركة الفاصلة. وفي ذات الاثناء بادر غردون بالهجوم بقوة من حوالى الف مقاتل على العليفون، فاستباح المدينة لمدة يومين ثم تحرك صوب ام ضواً بان. وخاطب الشيخ/ العبيد ود بدر قواته بالدفاع عن العقيدة والوطن، وشيد له عريشاً مؤقتاً أسوة بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لمتابعة الاعداد وبدء الاقتحام، وقسمت القوات الى ميمنة وميسرة، وتلى عليهم الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وبشرهم بالنصر، ورجع الى عريشه يناجي المولى عزَّ وجلَّ وينشده النصر. وفي ذات الوقت طلب الإمام محمد المهدي من أمير أمراء المهدية وقائد جيوش التحرير عبد الرحمن النجومي، أن يرسل الأمرين عبد الله ود جبارة وشيخ فضلو أحمد الى جهة شرق النيل مدداً للشيخ/ العبيد ود بدر لزيادة الحصار من تلك الجهة. وبالفعل تجاوز الأمير عبد الله ود جبارة النيل بالمراكب وانضم للشيخ/ العبيد ود بدر، أما الامير/ شيخ فضلو محمد فقد تأخر عن التحرك لدواعٍ مرضية، واستبدل بالأمير/ أبو بكر ود عامر الذي كان فرحاً لأنه سيشارك مع الفارس الجسور الذي نازل غردون عدة مرات وهزمه، ولكنه فوجئ عندما وجده شيخاً كبير السن لا يقدر على الحركة إلا وهو محمول على عنقريب. وفي سبتمبر 4881م التحم الجيشان على مشارف ام ضواً بان، وسطر الانصار ملحمة من أروع الملاحم الحربية، وبرز فيها التفوق المعنوي على التفوق المادي، وانجلت المعركة عن إبادة تامة للعدو، وظل غردون اللعين حبيساً في قصره ينتظر قدره المحتوم. وبعد أقل من شهرين من تحرير الخرطوم، لاقى الشيخ العبيد ود بدر ربه راضياً مرضياً، بعد أن أقرَّ عينيه من نصر، وشهد جهاد أبنائه وأحفاده ومريديه في سبيل نصرة الدين والوطن.