منذ وقوع الانقلاب العسكري في مصر وإجهاض الديمقراطية الوليدة، حذَّرت جهات عديدة ودول وحكومات ومراقبون ومحللون، من خطورة ما يجري في أرض الكنانة، وأن الأوضاع في مصر في طريقها للانزلاق نحو الهاوية، وقلنا هنا إن السلطة المغتصبة للسلطة ومؤيدي الرئيس محمد مرسي، باتا في مهب الحرب، في معركة وصفها دبلوماسيون غربيون بأنها ستكون معركة كسر العظم، فالإسلاميون المصريون لن يضعوا عن كاهلهم التصميم على مقاومة الانقلاب ورفضه وهزيمته وإسقاطه وإعادة الرئيس مرسي وشرعيته، وتسعى سلطة الانقلاب العسكري وحلفاؤها العلمانيون، إلى تحين الفرصة للقضاء على التيار الإسلامي وزج قادته في السجون ومحو وجوده واستئصال شأفته واقتلاعه من الجذور. ما حدث أمس من مذبحة بشعة أمام مقر الحرس الجمهوري المصري حيث يعتقل الرئيس مرسي هناك، يعطي مؤشراً وتجسيداً ملموساً لحالة اللاعودة واللا تصالح التي وصلت إليها مصر، وقد حذَّرنا منها ساعة وقع الانقلاب وقلنا إن الصدام والعنف سيكون نتيجة حتمية لعملية الانقضاض على الشرعية الدستورية والرئيس المدني المنتخب. قتل اثنين وخمسين من المتظاهرين بالرصاص الحي وجرح المئات فجر أمس بدم بارد، ومنهم الشباب والأطفال والنساء، بلا ذنب فعلوه سوى المطالبة بعودة الحكم الشرعي المنتخب، لهو أمر فيه صلف وبشاعة وسفك لدماء المدنيين العزل الذين مارسوا حقهم الدستوري في التظاهر والمطالبة بما يرونه الحق. هذه الحادثة علامة مخيفة للغاية لما وصلت إليه الأوضاع في مصر، وتعبير عن الردة التي حدثت بغياب الحرية والديمقراطية وتثبت خطورة الانقسام الحاد في صفوف الأمة المصرية، وتفتح الباب أمام مزيدٍ من الدماء والقتل والأشلاء، خاصة أن التيار الإسلامي لن يتراجع ولا يمكن شطبه من الحياة السياسية والحياة العامة، وهم أقوى وأكبر قوة سياسية منظمة ظلت متماسكة لما يزيد عن ثمانين عاماً. ويدرك الجميع أن عملية القتل البشعة التي تمت للمتظاهرين المدنيين الأبرياء أمام مقر الحرس الجمهوري الذي يمثل الجيش المصري ورمز السيادة الوطني لأرض الكنانة، تطور غريب ويقدح النار في حطب الفتنة التي صنعها الانقلابيون بأنفسهم وورطوا بلدهم في حمام الدم الذي بدأ أمس. فقد الانقلاب بهذه الدماء المسفوحة مع صلاة الفجر في القاهرة أمس، أي مبرر لوجوده، ولا شرعية على الإطلاق للسلطة التي حاول فرضها على الشعب المصري، وقد بدأت الأحزاب والقوى السياسية التي ناصرت في البداية الانقلاب وإطاحة الرئيس المنتخب مرسي، تتنصل من التحالف مثل حزب النور السلفي وحزب أبو الفتوح وحتى أعضاء جبهة الإنقاذ والرئيس المؤقت المعين من العسكر وشيخ الأزهر الذي ساند عملية اغتصاب السلطة، ولم يجدوا شيئاً يقولونه غير إدانة هذه الجريمة النكراء التي يدمي لها كل قلب. لقد بدأ التصدع يضرب بقوة في جدان التحالف الذي نفذ عملية إطاحة الديمقرطية الوليدة والرئيس المنتخب، وانفضح زيف المبررات التي كانت تساق لتبرير إزاحة مرسي من الحكم وإجهاض العملية الحثيثة لصناعة نظام مدني لحكم مصر. لم يقتنع أحد بما تقوله أركان السلطة الانقلابية وتفسيرها لما جرى، لا في داخل مصر ولا ردود الأفعال خارجها، وشوهت هذه الحادثة صورة مصر التي كان ينتظرها الجميع لتكون رائدة وواحة للحرية في العالم العربي بعد ثورة «25» يناير، فنفس ممارسات نظام مبارك القمعية عادت من جديد، وولغت السلطة الانقلابية الجديدة في الدماء، وهي تضع مصر فوق صفيح ساخن طالما حذَّر الناس منه، وطالبوا بضرورة اللجوء للحكمة والتعقل والحفاظ على متكسبات الثورة المصرية في «25» يناير التي حررت الشعب المصري من ديكتاتورية نظام مبارك.. فها هو نظام مبارك يعود في ثوب جديد بعد أن تحالفت التيارات العلمانية والليبرالية والعسكر مع فلول هذا النظام وفتحوا في مصر فوهات الجميع. إذا لم يؤوب المصريون بسرعة وصدق وإخلاص إلى صوت العقل وإلى الحكمة والشرعية، فإن طوفان العنف والصدامات لن يغادر هبة النيل وقد يبتلعها!!