كم هي ساحرة.. طبيعية.. نقية ومبدعة.. أهلها، أهل كرم وعمل في آن واحد.. لبنان.. الجبل والبحر والوديان، لبنان الأزقة والمقاهي عربية أو غربية؟! كنت فى زيارة عمل للشقيقة الحبوبة المحسودة لما مَنْ المولى عز وجل عليها وكانت متألقة بكل معنى الكلمة.. ومتناقضة أيضاً!! هادئة.. بسفوح جبالها.. تهمس أقمارها فى أذنك بنسمات ليس كتلك التى عهدها بأي مكانٍ آخر على الكرة الأرضية.. على مدار أكثر من خمسة وثلاثين عاماً.. من السفر والترحال.. لأكثر من خمسين مدينة بعشرين دولة قطعتها.. جواً وبراً وبحراً لم أعهد بمثل تلك الهمسات!! ففى بيروت وعلى شواطئها.. لمست شريان أحبة الحياة.. صغارهم بشوشين.. كبارهم أنيقين.. مسنيهم متفائلين.. كلٍ يعشق الحياة بطريقته.. فيحسدهم الفرقاء !! والأقرباء قبل الغرباء.. فلبنان المطاعم، لبنان الفنادق، لبنان المصانع والموانئ والمطارات.. لبنان قارة فى دولية.. فقد أسعدني قدري بزيارة لجبال لبنان.. الطرابلسية وقمة القرنة السوداء.. وهي أعلى قمة بالشرق الأوسط.. بمقاهيها النائية.. الساحرة .. الطبيعية، وعجبت لما يبذله هذا الشعب العريق المكافح لتأمين قوته.. لزراعتها ليست كأية زراعة يتخيلها أنسان.. ولنبسّط الأمر وليس مجازاً فهم يزرعون ناطحات سحاب.. نعم الجبل الذي زرته في ضواحي طرابلس يعلو سطح البحر بط «3880» متراً.. تصوروا كم من الجهد يتطلب لعمل حارة أفقية كانت أم رأسية؟ أما البناء حكاية أخرى فيبدأ المقاول بتسطيح الأرض الجبلية وما يتطلب ذلك من رصف لطريق خاص لتلك البناية، ثم رفع مواد البناء أعلى تلك الناطحة، مئات الأطنان منها.. وبعد ذلك ليواجه الطقس البارد صيفاً والثلجي شتاء!! بلبنان يسطع القمر عدة مرّات كل ليلة فعلى كل تلة قمر وكل مرة يسطع يبثُ سحره.. فيبسط ضوءه على وديان الجبال وكأن المولى ليّس بنفحة من الجنة على جبالها وتلالها.. ففجّر الينابيع بالعشارات بل بالمئات.. ليعطينا نفحةً أخرى من نفحات الجنة. فأهل الجبال تبدو عليهم العزيمة وفرط الكرم ونقاوة.. كمياه ينابيعهم.. النقية العذبة.. وعندما تشرق الشمس وتتمايل أشجار الأرز على وجنتيها.. يفوح عبير خليط فاكهة الجبال المنصهرة بحرارة الشمس لتدغدغ المتبقي منك.. فتنهار كل مقاوماتك الدنيوية لتسبح في ملكوت الخالق لتقول.. سبحان الله الذى خلق لنا من .. ومن ما لا يعلمون. صدق الله والعظيم. وبُهرت بالمزيد.. بالتمشية الرأسية المجهدة جداً جسدياً بين أشجار المشمش والكمثرى والكرز بأنواع لم أرها حتى بكتب الفواكه وأصناف تجلى المولى في إبداعه.. سبحانه وتعالى... تساءلنا وماذا عن الجنة؟؟ وعندما وصلنا قمة التلة المقصودة بعد يوم حافل بالحركة والحديث، وجدنا المطعم الفندق مغلقاً تماماً ولا يوجد إلا غفير.. فضحكنا أنا ورفيقي أبو هادي وبقليل من الحسرة سلّمنا بالرجوع ألا أننا فوجئنا بالغفير الواعي الهميم يدعونا بألا نرجع لإدراجنا منكسرين، وكيف وباللهجة اللبنانية الجبلية الأصيلة قال: يا عيب الشوم.. تصلنا وترجعوا.. سنفتح لكم المطعم المجهّز لحوالي أربعمائة مقعد فرش حديث ونحن فقط ثلاثة أفراد !! أيعقل هذ.. وقد صدمت عندما أصر وكأنه صاحب تلك المنشئة.. وبعد أقل من خمس دقائق عدد.. ظهر ثلاثة شبان وبتلقائية عفوية شامية مأصّلة.. فتحوا الباب وأضاءوا كل الأضواء وهي حوالى مائة مصباح وقد تزيد قليلاً!! دروز، موارنة، عرب وأرمن أعراق.. شيعة وسنة وكاثوليك وأرثوذوكس .. إنها الدولة القارة.. كلهم وجدوا، فتحابوا فنفذوا أمر الله وبالحرف الواحد لما خُلقنا من شعوب وقبائل.. وليعملوا ويعبدوه واتقنوهما.. إلا أن الحسّاد لم ولن يهدأوا إخواناً كانوا أو أولاد عم !! فزرعوا الفتن في الدولة والتي هي ملتقى عالمي للحضارات ونموذج التعايش الأوحد الناجح بالعالم التعايش الأعراق كلها!! فقد جَمعت لبنان بين الأديان المختلفة والأعراق المتعددة فليس كل مسيحي من نفس المذهب ولا العرق فتجد نفس الشيء بالمسلمين عربي الأصل سني وشيعي وأيضاً علوي. ولذلك ُهى قُرة عين العرب.. نحيطها برعاية خاصة لأنها ليست دولة.. إنها قارة بمساحة أقل من ولاية القضارف.. فتخطف القلوب بجمالها، نظامها ونظافتها. فرقاء لبنان لا يجوز عليهم الحسد بل وجب عليهم الإعجاب.. وليكن الشعب اللبناني قدوة فى مجال الاجتهاد والمصابرة.. فرخاؤهم لم يكن صدفة ولا بئر نفط طرأ عليهم بل هو عمل وعزيمة لشعب يعرف قيمة الإنسانية الحقيقية ويحترمها كما له من الكرم والفراسة ما يؤهلهم ليتجاوزوا محنهم المفروضة من حسّادهم من كل اتجاه. فهنيئاً لكم شعباً وأرضاً وتحية لحاكميهم على مدار الدهر لما وصلوا إليه.. فلكم منا كل احترام و محبة. ووفقنا الله وإياهم لما فيه النفع لهم وللبشرية.