«كنتُ حائراً أتساءل عمَّا يمكن أن يكون قد دار خلال الجلسة التي جمعت السفير الأمريكي الذي اعتمر هذه الأيام عباءة التصوُّف وبات يتجوَّل بين الطرق الصوفيَّة مرتدياً أزياءها وطائفاً حول حِلَق الذكر في محاولة دنيئة وحقيرة وخبيثة لاختراق الصفّ المسلم بعد أن أقنعه باقان وعرمان من سابق تجربة بأن مجتمع المتصوِّفة بتسامُحه المعهود يصلُح للانخراط فيه والتلاعُب به.. أقول كنتُ أتساءل عمَّا يمكن أن يكون قد دار بين السفير الأمريكي والعالم النحرير الخليفة الشيخ الطيب الجد إلى أن قرأتُ تصريحات نائب أم ضواً بان في المجلس الوطني الأستاذ عمر عبد الرحيم الشيخ حول تلك الزيارة وملابساتها مما أثلج صدري وزاد من احترامي لشيخي الجليل الخليفة الطيب الجد. قبل أن أسترسل متحدِّثاً عن الزيارة وما جرى خلالها وقبلها أودُّ أن أُشير إلى أنَّ الشيخ الطيب الجد يُحظى باحترام قَلَّ أن تجد مثيله من قِبل جميع من يعرفه أو يتعامل معه ولم أنسَ ليلة تأبين رجل القرآن الشيخ أحمد علي الإمام حين ألقى الشيخ الطيب الجد كلمة أدهشتني على المستوى الشخصي ولعلَّها كانت أول مرة أستمع فيها إلى الرجل كفاحاً، وهو يتحدَّث وقد علَّمني عملي السابق بالتلفزيون أن أتمعَّن في اللغة وخطئها وصوابها كلَّما وقف متحدِّث أمام الناس، فكان أن استمعتُ إلى خطيب مفوِّه وعالم كبير ولغوي لا يُشق له غبار فارتفع الرجل في نظري ورفع أكثر من كنتُ أُجلُّه قبل تلك الجلسة المباركة وأعني شيخي القرآني أحمد علي الإمام رحمه الله. الخليفة الشيخ الطيب الجد عندما علم بزيارة السفير الأمريكي لداره تصرَّف بمسؤولية وطنيَّة وبحس سياسي عالٍ حيث استشار الدولة عمَّا إذا كان ذلك من «الحلال الوطني» فقام باستشارة والي الخرطوم عبر معتمد شرق النيل د. عمار حامد سليمان الذي أعلن للخليفة موافقة الحكومة على الزيارة ثم جاءت تفاصيل الزيارة التي أُوقن أنَّ السفير أرادها فتحاً أمريكيَّاً لمرابع التصوُّف في السودان عبر أحد أهم أركانها، فإذا بها تنقلب حسرةً عليه فقد كان السفير الأمريكي يظنُّ أنَّه في مأمن من عالم ساس يسوس ومن «الإسلام السياسي» الذي يبغضون والذي يفتأ يذكِّرهم بجرائمهم في العالم الإسلامي بدءاً من المسجد الأقصى الذي لولا أمريكا لما دنَّسه أنجاس بني صهيون وبما فعلوه في العراق وأفغانستان وبكل حروبهم الصليبية في عالمنا الإسلامي وفوق هذا وذاك بما فعلوه ولا يزالون بالسودان.. ظنَّ السَّفير أنه جاء ليصطاد كنزاً من ديار الصوفية فإذا به يخرج من الخليفة الطيب الجد مذموماً مدحوراً فماذا قال الرجل الكبير للسفير؟! ذكَّر الخليفة الشيخ الطيب الجد زائره بالسياسة الأمريكيَّة الظالمة للسودان بما في ذلك العقوبات الأمريكية المفروضة بالرغم من أن السودان أوفى بما وعد به ونفذ «اتفاقية السلام» والاستفتاء، وقال للسفير قولاً بليغاً. ثم اقرأوا معي ختام المقابلة.. الشيخ الطيب الجد خليفة الشيخ العبيد ود بدر وما أدراك ما الشيخ العبيد ود بدر لم يخرج لوداع السفير الأمريكي إنما ظلَّ في مجلسه بخلوته وخرج مع السفير الأستاذ عمر عبد الرحيم الشيخ بدر ولم يلتحف السفير الأمريكي الشال الأخضر كما فعل في زيارة مواقع أخرى وما كان للخليفة الشيخ الطيب الجد أن يسمح بذلك لأنَّ ذلك الشال لا يوشَّح إلا لمن يستحقُّه ديناً ومسلكاً. أرجو أن تعقدوا مقارنة بين لقاء السفير بالشيخ الجليل والذي استغرق نصف ساعة فقط قضى السفير ضعفها وهو ينهب الطريق إلى أم ضواً بان جيئة وذهابًا.. أن تعقدوا مقارنة بين هذه الزيارة وأية زيارة يقوم بها السفير الأمريكي ممثل الدولة العظمى في العالم لوزارة الخارجية أو لأيٍّ من المسؤولين في السودان وكيف يتكبكبون أمامه وكأنه سيُدخلهم الفردوس الأعلى بالرغم من أنه ما جاء وطاقمه إلا ليحيك المزيد من المؤامرات على السودان. إنه درسٌ بليغ قدَّمه شيخنا لنا جميعاً.. درسٌ في العزَّة والكرامة والشموخ.. ألا حيّا الله الشيخ وجعله ذخراً لأمته.