كثيراً ما تصبح حياتنا غابة فينطبق علينا ما تركته الأساطير فنعيش حالة أسد ونتحول لمأساة ديك وندخل في مأزق قرد ونتبجح كما يفعل الفأر مع القط الميت.. وهذه بعض الحكايات.. نلوذ بها اليوم للغابة ونبحث عن حالنا فيها.. الأولى تقول: { سطا بعض اللصوص على منزل، فلم يجدوا فيه إلا ديكاً، فسرقوه وولّوا هاربين ولما وصلوا إلى مأواهم، هموا بذبح الديك، فأخذ يتضح إليهم أن يتركوه، وقال: أرجو أن تبقوا عليّ، فإني عظيم النفع للناس، أوقظهم في الليل ومبكرين ليؤدوا أعمالهم. فأجابه اللصوص: «أهو دا السب زااااتو البخلينا نعجل بذبحك إنت بلا صياحك دا شنو المعطل أعمالنا»؟ والديك المسكين هنا ينطبق عليه المثل الذي يقول «المكتولة ما بتسمع الصايحة». وأخرى طريفة تقول: { اعتاد ثعلب كلما رأى قرداً أن يعترض طريقه يسأله: عملت لي شنو في الطاقية؟ فيندهش القرد ويفكِّر: طاقية؟.. أنا ما بعرف حاجة عن الطاقية!!.. فيمسكه الثعلب ويجلده!! كرر الثعلب هذا المشهد عدة مرات مع القرد وأخيراً اشتكى القرد الثعلب لملك الغابة الأسد فقال له الأسد: خلاص إنت أمشي أنا حأشوف الحكاية دي مع الثعلب. واستدعى الأسد الثعلب وسأله عن صحة إدعاء القرد فقال له القرد: فعلاً دا الحاصل يا ملك الغابة.. حيلة الطاقية دي وهمية اختلقتها ساكت عشان ألقى بيها فرصة أجلد القرد لأني مغيوظ منو ساكت وعاوز أفش فيهو غبينتي!!. ضحك الأسد في مكر وحقارة الثعلب للقرد وقال له: طيب أنت يا الثعلب أصلك لو داير تجلد القرد مش أحسن تعمل ليك حيلة منطقية؟ كيف يا ملك الغابة؟ اسأل القرد أصلوا بحب الموز.. قول ليهو جيب لي موز.. لو جاب ليك موز أخضر أجلدوا قول ليهو ليه ما جبتوا أصفر.. ولو جاب أصفر أجلدوا قول ليهو ليه ما جبتوا أخضر.. مش كدا أحسن؟!. القرد عجبو اقتراح الأسد. وفعلاً يوم لاقى القرد وسأله نفس السؤال لكن القرد بذكاء شديد سأل الثعلب: عاوز موز أصفر ولا أخضر؟ الثعلب «انبهط» وفوجئ بالإجابة وما نفعت معاهو فقال للقرد: خليني من حكاية الموز.. عملت لي شنو في الطاقية.. وبعدها جلدوا. أما حكاية الراعي المسكين فهي تعبر عن «قدر أخف من قدر» تقول الحكاية: { كان راعيًا يسرح قطيعاً من البقر، فضل ليه عجل.. وبحث عنه طويلاً ولم يجده.. فنذر نذراً إن هو وجد العجل أن يذبح حملاً صغيراً. وبينما هو يسرح بالقطيع صعد لربوة عالية.. ولكنه رأى مشهداً مخيفاً.. رأى ذلك العجل وقد اختطفه أسد قوي وبدأ يأكله. فنزل الراعي من الربوة مذعوراً.. ونذر إن هو نجا من ذلك الأسد فسيذبح بقرة كبيرة والمثل يقول قدر «أخف من قدر» بِقوا عليه ندرين.. لذلك فنحن اليوم تجدنا غير عابئين بما نفقد من عجول في حياتنا فأخير لنا أن ننجوا بجلودنا. والحكمة الثانية تجيء هذه المرة من الثعلب المكار، والحكاية تقول: وقف دب يباهي بحبه للخير، فقال إنه أكثر الحيوانات شفقة على الإنسان، وإنه يضمر له أعظم الاحترام.. ودليله على ذلك أنه لا يقرب جثته إذا مات!! ومعلوم عن الدب أنه لا يأكل الميتة فردّ عليه الثعلب ساخراً: ليتك أكلته ميتاً وتركته حياً. { وحكاية تقول إن الأسد كان يريد أن يحتال على ثعلب «داير يبيع الموية في حارة السقايين» والحكاية وتفاصيلها: إن أسداً كبر وهرم ولم يعد قادراً على الكسب فعزم على أن يحتال في كسب فريسته وذلك بأن يتظاهر بالمرض، فكان كلما حضر إليه حيوان صدقه أنه مريض فيقترب منه فينقض عليه الأسد ويفترسه. وفي يوم من الأيام جاءه من يجيد الحيلة «الثعلب» ليزوره.. وسأله عن حاله.. قال الأسد: ألا تراني أني عاجز ومريض.. أدخل يا الثعلب لي جوه وتعال ونسني شوية وأحكي لي عن فنونك في الغابة. فرد عليه الثعلب: لا شكراً يا ملك الغابة. فأجابه الأسد: إنت خايف مالك.. ما مصدقني يا الثعلب؟ قال الثعلب: أبداً يا ملك الغابة.. لكن أنا شايف آثار أقدام كثيرة دخلت عليك.. وما شايف آثار مرقت منك تب!!. وما قتل الحمار في كل الحكايات إلا بلادته وسوء تدبره وهذه إحدى حكاياته: اتفق أسد وثعلب وحمار أن يخرجوا معاً للصيد، فاصطادوا «فرايس» كثيرة.. فلما رجعوا للغابة قال الأسد للحمار: اقسم بيننا واعط كلاً منا نصيبه.. فقسم الحمار الصيد ثلاثة أقسام متساوية وطلب من شريكيه أن يختارا نصيبهما أولاً.. فاغتاظ الأسد وضرب الحمار ضربة أطاحت رأسه.. ثم طلب من الثعلب أن يقسم.. فكوم الثعلب الصيد كومة واحدة، ولم يأخذ لنفسه إلا قطعة صغيرة جداً. سر الأسد منه وقال له: من علمك هذا الفقه؟.. فإني ما رأيت قبل اليوم قاضياً أعلم ولا أفقه منك.. فقال الثعلب: علمني له رأس الحمار الطائح الذي لم يحسن وضع الأمور في مواضعها. والمثل يقول: العاقل من اتعظ بغيره. وأخيراً: عثر فأر على جثة قط ضخم.. وكان القط قد تسبب في الرعب الشديد للفئران وفتك بالكثير منها.. وبعد أن تأكد أنه فعلاً ميت.. صعد ووقف على صدره وهو يصيح لأقرانه الفئران: ما قلت ليك.. أنا كان قمت صعب بلحيل؟!!.