تزوج البروفيسور اسماعيل الفاروقي من سيدة أمريكية مثقفة من عاشقات الفنون الجميلة هي لويز إبسن أو الدكتورة لمياء الفاروقي. كانت رسالة لويز إبسن للدكتوراه تحت عنوان طبيعة الفنّ الموسيقي في الثقافة الإسلامية : دراسة نظرية وتطبيقية في الموسيقى العربية،وقد نالت بها الدكتوراه من جامعة (سيراكيوز) عام 1974م. في ذلك البحث درست لويز إبسن النظرية العربية في الموسيقى في الحقبتين الكلاسيكية والمعاصرة، وحلّلت نماذجاً من ألوان الأداء وتسجيلات لعددٍ من المغنين والعازفين من العالم العربي. وخلصت في دراستها إلى أن نَوعَيْ الموسيقى العربية يؤكدان الفرضية القائلة بأن الموسيقى العربية هي تعبير سمعي عن فن الزخرفة العربيّ الأرابيسك. وفي تلك الدراسة قامت لويز إبسن بترجمة مقاطع من كتاب الموسيقى الكبير لأبي نصر الفارابي إلى الإنجليزية. إسماعيل الفاروقي مثله مثل نعوم شومسكي وفضل الرحمن وهشام شرابي، وغيرهم من نخب المثقفين الثائرين الراديكاليين، لم تكن تُفسح لهم أي مساحة في إمبراطوريات الصحف والاذاعات والتلفزيون الأمريكي. لكن ثِقَل الفاروقي وخططه وطاقته الخارقة على العمل، بما أوتي من بسطة في العلم والجسم وربط العمل الفكري بالمؤسّسي، كانت أضخم من أن يتمّ التغاضي عنها، وعن آثارها البعيدة في الحياة الأمريكية ودول العالم الإسلامي. كان برنامج البروفيسور اسماعيل يبدأ بالإستيقاظ لصلاة الفجر ثم الدخول إلى مكتبه الخاص في المنزل، للعمل حتى يحين موعد الذهاب للعمل في الجامعة. ثمّ بدأت تتكشف حلقات التآمر ضد اسماعيل الفاروقي ومشروع توطين الإسلام في أمريكا. وبدأ مسلسل الأحداث الغامضة فقُتِل ابن الفاروقي في المكسيك عام 1986، بدون أن يتم حلّ اللغز. وكانت تلك رسالة دموية إلى الفاروقي. وفي العام الذي يليه، كان اغتيال اسماعيل الفاروقي نفسه. وكانت الخسارة الفادحة. كان الإغتيال في شهر رمضان/ فبراير 1987م. في الساعات الأولى من الصّباح، قبيل وقت السحور، تسلل رجل غامض ملثَّم مسلّح إلى منزل الفاروقي، حيث غرس سكِينه في قلب الفاروقي، ثمّ توجه إلى زوجته ورفيقة حياته ورحيله لمياء لويز إبسن فقتلها بنفس السكين. وسقط الزوجان شهيدين في الشهر المبارك. وانطوت صفحة ماجدة، بنهاية اسماعيل الفاروقي في الخامسة والستين، من صفحات توطين الاسلام في أمريكا. وتسلّل القاتل بهدوء تاركاً بعض شعيرات من رأسه. بأثر المقاومة التي بذلها الشهيد الأعزل. وسارت التحقيقات الجنائية لتكشف بالإعتراف أن القاتل مسلم أمريكي أسود لم تكن له بالفاروقي أيّ صلة. تكشَّفت تلك الحقائق بعد القبض على القاتل. تلك صفحة قاتمة أخرى من اختراق الإستخبارات للإسلاميين. وفي جريمة أخرى مختلفة ارتكبها قاتل الفاروقي بعد اغتيال الفاروقي، قُبِض عليه ووضع في السجن. وهناك اعترف لأحد زملائه المساجين بارتكاب جريمة قتل الفاروقي. حيث أبلغ زميله المسجون إدارة السجن. وتمت مطابقة شعيرات رأس قاتل الفاروقي بالشُّعيرات التي خلَّفها وراءه في منزل الفاروقي ليلة اغتياله مع زوجته. وكان قاتل الفاروقي قد سار ضمن موكب المشيعين لجنازته، وكان أحد الذين ساروا وراء الفاروقي إلى مثواه الأخير. ثمَّ كان قاتل الفاروقي أحد جمهور الحاضرين في حفل التأبين الذي أقيم بعد استشهاده. ولكن مَن كان وراء القاتل؟. من الذي اتخذ القرار بتصفية الفاروقي واغتياله؟. مَن الذي أعدّ التخطيط؟. مَنْ سواها تلك اليد الغامضة التي لها سِجلٌ حافل بعداء الرموز الفكرية والنخّب السياسية والزعاماَتَ الإسلامية الثورية وتصفيتهم. نفس اليد الغامضة التي كشفت وثائقها أنها حاولت إغتيال الزعيم الكوبي الدكتور فيديل كاسترو (دكتوراه في القانون ) ، والمفكّر العلامة محمد حسين فضل الله، نفس اليد التي حاولت اغتيال الدكتور حسن الترابي في كندا في26/5/1992م، وخالد مشعل وماوتسي تونج, لكنها فشلت. نفس اليد الغامضة التي نجحت في اغتيال البروفيسور إسماعيل الفاروقي، الدكتورعلي شريعتي، الرئيس باتريس لوممبا، الرئيس هواري بومدين، القيادي الرّمز خليل الوزير، القيادي صلاح خلف الزعيم ياسر عرفات ، الزعيم أحمد ياسين ، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي والقيادي الخطير عماد مُغنية، وغيرهم. أما آخر ما سمعته من حكمة الفاروقي، فقد كان في محاضرة له في شيكاغو، ألقاها في مؤتمر يختصّ بالتعليم الإسلامي في أمريكا، حيث كان ينثر لؤلؤ أفكاره بانجليزيته الأنيقة قائلاً: ( مع اكتشاف الكمبيوتر لم تعد هناك بالنسبة للطلاب حاجة للذّاكرة. يجب أن يُركِّز التعليم على طرق البحث ومناهجه وأساليب التحليل. الطالب لا ينبغي أن يصبح حقيبة معلومات. وأن كلّ جيل من المتعلمين يجب أن يتجاوز ويتفوق على أساتذته، وإلا كان معني ذلك أن حركة التعليم تسير إلى الوراء). نعم تلك هي صيرورة التقدم... أن يتفوَّق الجيل الجديد على الجيل الذي يسبقه... وإلا كانت مسيرة تقدّميين إلى الخلف!.