ما زالت الميادين ممتلئة بالمياه والمجاري لا تحرِّك ساكنًا تجاهها والهيئة العامَّة للإرصاد الجوي تتوقَّع هطول أمطار غزيرة بولاية الخرطوم وعدد من الولايات الأخرى في الأيام القادمة، وولاية الخرطوم تعلن أن منسوب النيل شارف مرحلة الفيضان، مئات الأُسر التي تشرَّدت تقطن داخل المياه بعد أن عجزت جهود الدولة عن شفطها وإخلائها من الشوارع وأنقاض البيوت المتهدِّمة أصبحت مرتعًا لتسامر الحشرات المختلفة، رؤساء لجان طوارئ الأمطار والسيول والفيضانات يجتمعون باستمرار ويخرجون ببعض التوصيات التي إذا ما أرادوا إيصالها مرحلة التنفيذ لا تحل ولا جزءًا صغيرًا من المشكلة وتكتفي نقاط المراقبة والدفاع المدني بدعوة المواطنين إلى توخي الحيطة والحذر.. والقنوات الفضائيَّة تبث صورًا لإعانات وإغاثات تنهمر من بلدان خارجيَّة، والمواطنون يستنجدون ويؤكِّدون أن الإعانات التي لم تصل معظمهم ضعيفة جدًا وحجم الكارثة التي لم يعترف بعض المسؤولين بأنها كذلك، واستنكروا تسميتها هكذا، الوضع يوحي بعدم وجود تنسيق تام بين اللجان الشعبيَّة والسلطات المختصَّة من أجل ضمان وصول الدعم للمستحقين، تذمُّر بعض المواطنين من الطواف المستمر للمسؤولين واكتفائهم بدعوة الأجهزة المعنية ومنظمات المجتمع المدني للاستنفار وأصبحوا يصيحون في وجوه زوارهم بل ووصل بهم الحد لقذف عربات الزوار بالحجارة المبلولة والطين كما حدث بمناطق دار السلام غرب ليبيا وشرق النيل الأمر الذي جعل السلطات تدفع بعدد من عربات الشرطة لا لإغاثة المتضررين بل تم تحميلها بعتاد تفريق المظاهرات مثل العصي والبمبان تحسبًا لأي احتجاج عنف قد يحدث.. المعينات المتواضعة التي تم تقديمها لجزء قليل من المنكوبين لم تفِ بحاجتهم ثم إن الخيام التي احتلت أرقامًا خرافية في تصريحات المسؤولين لم تجد أرضًا جافة حتى تنصب عليها وظلت حبيسة أكياسها تنتظر الأرض حتى تبلع ماءها إلا أنها تفيق من هذا الحلم بتوقعات الهيئة العامة للإرصاد الجوي بتواصل هطول أمطار وبغزارة، إذن ما زال الخطر يحدق بالمواطن وكان بعض المسؤولين قد ذكروا أن هذه الأمطار لم تكن متوقعة الأمر الذي نفاه مدير هيئة الإرصاد الجوي د. عبد الله خيار في تصريحات صحفية لوسائل الإعلام وكذب هذا القول وأكد أنهم توقعوا هذه الكميات الكبيرة من الأمطار قبل وقت كاف وأبلغوا المسؤولين بها بل منذ مايو الماضي وحذروهم من خطورة الوضع ونبهوهم إلى الاستعداد من وقت مبكر ثم شدَّد في التحذير ووصف القادم بالأسوأ وأكد أن الخريف لا يزال في أوله، وتوقع أن تزيد معدلات السيول خاصة أن الأرض تشبعت بالمياه مما يعني أن الأمطار القادمة يمكن أن تشكل خطرًا على حياة المواطن، وأكد أن معدلات الأمطار ستبدأ في الزيادة من منتصف شهر أغسطس ليبقى السؤال هل تستطيع الحكومة النجاح في الامتحان القادم أم أنها ستكرر الفشل مثلما فشلت في الامتحان الأول؟ حاولنا اقتلاع تصريح من أي من معتمدي المحليات إلا أن جميع محاولاتنا باءت بالفشل عدا معتمد أم بدة الذي وعدنا بالمهاتفة لاحقًا ويبدو أنهم منشغلون بالاجتماعات التي لم تثمر ولو قليلاً بحسب واقع الحال.. المواطنون يحبسون أنفاسهم ويتابعون توقعات الإرصاد بشغف وحذر شديد فبعضهم قد فقدوا أرواحًا وبعضهم فقد المأوى وآخرون ينتظرون مصيرًا مجهولاً بعد أن أصبحت المنازل جاهزة للانهيار تنتظر رشة خفيفة من المطر بعدما تشبعت بالمياه. تجاوز المواطنون مرحلة الحديث عن الأخطاء الفنيَّة في التخطيط وأن بعضهم خصوصًا بمدينة أم بدة وسوبا وجبل أولياء قد تم تكسير منازلهم قبل الخريف بأشهر قليلة ثم تعويضهم وترحيلهم إلى مناطق هي في الأساس أودية ومجارٍ للمياه، تجاوزوا الحديث في هذا الأمر وأصبح همهم الشاغل كيف سيتجاوزون هذه المرحلة السيئة وسط خوف وترقب من قادم مخيف.