ربما كان سفك الدماء ونهب الثروات من أهم السمات التي يتصف بها الكثير من الرؤساء في المنطقة السابقين منهم واللاحقين، وقد كشفت التقارير أو المحاكمات التي خصع لها عدد من زعماء دول العالم الثالث خاصة في القارة السمراء، أنهم ولغوا في النعيم والثراء الفاحش، حيث كنزوا مليارات الدولارات، كما تلطخت أيديهم بدماء شعوبهم الذين مصوا ثرواتهم واقتطعوا اللقمة من أفواههم الجائعة، وحولوا تلك الثروات الطائلة إلى البنوك الأوروبية وقاموا شراء عقارات هناك، فمنهم من امتلك تسعة عشر عقاراً في العاصمة الفرنسية باريس في أرقى مناحيها تقدر بملايين الدولارات، واشترى أحدهم بناية فاخرة في باريس لسكن أفراد أسرته وأقاربه في رحلاتهم من أجل التسوق، بينما فضل الإقامة هو في جناح رئاسى في فندق فاخر على مرمى حجر من قوس النصر في الشانزليزيه، ويدفع مقابل ذلك ما يعادل ثلاثة آلاف وثلاثمائة دولار في الليلة الواحدة، وذلك وفق ما أكدته منظمة الشفافية الدولية، كما ورد في نفس التقرير أنَّ كلاً من الرئيسين المخلوعين المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي يملك سلسلة من العقارات في العاصمة الفرنسية، ويمتلكان ثروة طائلة، كذلك اتهم التقرير طغاة إفريقيا بأنهم يحولون أموال المساعدات الدولية إلى حساباتهم الشخصية لتمويل حياة البذخ التي يعيشونها. ويذكر أن السلطات الفرنسية واجهت العديد من الاتهامات بأنَّها ظلت تغضّ البصر عن هذه الفضيحة. وتقول صحيفة «ليبيراسيون»: «إن الرئيس نيكولا ساركوزي يبدو عاجزاً عن تخليه عن دعم أولئك الطغاة». وتمضي قائلة: «إن مكتب المدعي العام الفرنسي تعرض لما سمته «خدعة الحواة الماليين» الذين خبأوا عنه تلك الثروات الهائلة التي تعود إلى العديد من الزعماء الأفارقة». وتضيف أن فيلام بوردون، المحامي الذي يمثل «الشفافية العالمية» و«شيربا» اضطر لخوض معركة شرسة ضد صمت القضاء الفرنسي. وقد زُعم في عام 2009م أنَّ سلطات الجمارك الفرنسية اعترضت طائرة استأجرها تيودورين نغويما «ابن رئيس إفريقي» ووجدت على متنها «26» من السيارات الفارهة الجديدة، سبع منها «فيراري» وخمس «بينتلي» وأربع «رولز رويس» واثنتان «بوغاتي»، إضافة إلى خمس دراجات نارية «هارلي ديفيدسون». وفي العام نفسه أعلنت منظمة «تراكفان» الفرنسية المعنية بمكافحة غسيل الأموال أنَّها عثرت على ما يدل على أن تيودورين أنفق ما يعادل «28» مليون دولار في دار للمزاد كان يملكها في السابق المصمم إيف سان لوران. وفي ليبيا تكشفت أدلة جديدة تدل على حياة البذخ التي يعيشها الرئيس المخلوع معمر القذافي، بعد أن فرَّ من مجمع باب العزيزية في طرابلس، حيث عثر المقاتلون على مسدسات مطليَّة بالذهب، وطاردة ذباب من ريش الطاؤوس يعلو مقبضها فيل من الذهب. بينما المفارقة أن القذافي كان يصرُّ على نصب خيمته عند زيارته للدول الخارجية في إشارة إلى تقشفه، وبعد إقصاء صدام حسين تقول المصادر إن الجنود الأمريكيين عثروا على نحو «950» مليون دولار بعد انتهاء الحرب في عدة قصور مملوكة لصدام وعائلته وفي دور ضيافة تابعة للحكومة العراقية وحتى في بيوت للكلاب. وكانت الأموال موضوعة في «191» صندوقاً، أما في الفلبين حين فرَّ فرديناند ماركوس فقد عثر مسؤولو الجمارك بالولايات المتحدة على «24» حقيبة سفر بها سبائك ذهب ومجوهرات من الماس مخبأة في أكياس. كما عثروا على شهادات لسبائك ذهبية بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى عشرات المعاطف من فراء المنك و «508» قفازات وألف حقيبة يد، وما يصل إلى ثلاثة آلاف زوج من الأحذية. وكل هؤلاء الزعماء اللصوص حكموا بلدانهم بالحديد والنار، واعتمدوا على زبانية قساة طفقوا يعدون على شعوبهم المقهورة والجائعة أنفاسهم، ويزجون بآلاف منهم فى غياهب السجون، ويقتلون منهم العشرات بليل، ويسفكون دماء الآلاف في التظاهرات السلميَّة، إنهم طغاة ضد حركة التاريخ، ولا يستفيدون من دروسه المجانية التي يقدمها دائماً بمداد الدماء والانتقام.