تتابع قطر تسوّقها في أوروبا، عبر أدواتها الاستثمارية الرئيسية، مثل "قطر القابضة"، الذّراع الاستثمارية ل"صندوق قطر السّيادي"، وتثير هذه الشّهية الكثير من علامات الاستفهام حول أهداف هذه "الدولة-الخزينة". وتساءلت صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية السبت "هل تسعى قطر للاستيلاء على فرنسا؟ قبل أن تفيد بأن شركة "قطر القابضة" تتسوّق الآن في الجناح المخصص للسلع الفاخر بسوق الأسهم الفرنسي "الكاك 40"، بعد أن اشترت 1.03% من رأسمال شركة "مويه هينس لوى فيتون" (آل في آم إتش) الفرنسية. وتعلق الصحيفة بالقول أن"هذه الصفقة تؤكد رغبة الإمارة الصغيرة في تنويع مجالات استثماراتها في فرنسا، لتتجاوز قطاع الرياضة والفنادق الفاخرة". من رحلات قطر التسويقية كانت آخر مشتريات البترودولارات القطرية التي لا تنضب خلال الأسابيع القليلة الماضية دخول "قطر القابضة" كمساهم في شركة "آل في آم إتش" التي تعد أكبر شركة لإدارة المنتجعات الفاخرة في العالم، والاستحواذ على (2%) من أسهم مجموعة "توتال"، عملاق الذهب الأسود الفرنسي. قد تبدو المشاركة في رأسمال "آل في آم إتش" رمزية، لكنها أكبر مرتين من حيث القيمة من ال10% التي تملكها "قطر القابضة" في رأسمال مجموعة "لاغاردير" الفرنسية المتخصصة في الدفاع والإعلام، وتوازي ال5% التي تتوفر عليها الإمارة في رأسمال "فيوليا"، الشركة الرائدة عالميا في إدارة المياه وتشغيلها، بحسب المحلّلين. كما أن الاستثمار في رابع شركة عالمية للنفط يُدخل قطر إلى أكبر رسملة في البورصة الفرنسية. وقد بدأت "توتال" بالفعل تجني ثمار سياسة استثمارية طموحة في مجال الاستكشاف والإنتاج وارتفعت قيمة أسهمها بنسبة أكثر من 32% خلال الأشهر الستة الماضية لتبلغ 42.65 يورو، بعد أن اقتربت من عتبة 30 يورو نهاية سبتمبر/أيلول. ومن الأرجح أن تواصل قطر رحلاتها التسويقية في أوروبا بعد أن قامت في السنوات الماضية بالاستحواذ على العديد من الحصص في شركات عملاقة من بينها "فولكس فاغن"، كبرى شركات السيارات في أوروبا، و"هوخ تيف"، وشركة البناء الألمانية. لكن قطر سعت حتى الآن بدون جدوى للحصول على حصة في "إي أي دي أس"، المجموعة رقم واحد في الصناعات الجوية والفضائية الحسّاسة في أوروبا. "هل يجب التخوّف من قطر؟" يوم انفردت صحيفة "لي إيكو" الفرنسية بالكشف عن الصفقة مع "توتال"، تساءل رئيس تحرير الصحيفة ديفيد بارّوكس في افتتاحية بعنوان "هل يجب التخوف من قطر؟"، عن أهداف الإمارة. بعد الإشارة إلى أن شركة "توتال" شأنها شأن مجموعة "لاغاردير" أو نادي "باريس سان-جيرمان" لكرة القدم لن تتذمّر من مجيء بترودولارات بلاد تقبع فوق احتياطات مهمة من الغاز"، قال الكاتب "إذا كان الهدف اقتصاديا، فإن هناك احتمالا كبيرا أن يعمل المستثمر القطري على الأمد الطويل كمستثمر متنوّر (...) ولن يموّل هذا البلد هباء مغامرات اقتصادية في الرياضة وقطاع السمعي-البصري والطاقة أو الترف مآلها الفشل". وقال "إذا كان هدف قادة هذه الدولة-الخزينة هو الاستثمار اليوم للتحضير جديّا لفترة ما بعد النفط (أو الغاز)، فإن خصوم هذا البلد الخليجي سيجدون أنفسهم بسرعة بدون حجج". لكنه أضاف "أما إذا كان طموح هذا البلد الذي يحيط به جيران يشكّلون تهديدا هو استعمال سلاحه المالي لشراء حلفاء، غير مبال في سبيل ذلك بقواعد اقتصاد السّوق، فمن حق منافسيه أن يقلقوا ويهاجموا". "شكوك وريبة" في نفس اليوم نشرت صحيفة "ليبيراسيون" مقالا استشرافياً للكاتب والفيلسوف الفرنسي داليبور فريوكس حاول فيه تخيّل ما يمكن أن تقدم عليه قطر خلال العشرية القادمة، وبخاصة في فرنسا، الدولة التي تستأثر باهتمام واسع لدى صناع القرار في قطر. وقال الكاتب من وحي خياله وبنبرة ساخرة "دخلنا مرحلة جديدة بعد إعطاء المجلس الدستوري موافقته على بيع حقوق البث الحصري لنتائج الانتخابات الرئاسية للعام 2022". ويرى العديد من الملاحظين أن هذا القرار المتأخر لم يكن مفاجئا، خصوصا منذ أن أصبحت قطر مساهمة في رأسمال مؤسسة 'إيفوب'" المتخصصة في إجراء استطلاعات الرأي. وقبلها ببضعة أسابيع تحدّث الإعلامي المصري جابر القرموطي عن ما أسماه "الشكوك والرّيبة" التي تثيرها استثمارات قطر الكثيرة، في مقال في الأهرام العربي بعنوان "الاقتصاد القطري يقود دورا غامضا فى السياسة الدولية". لم يشكّك الكاتب في "القوة الاقتصادية لقطر التى تحاول الاستفادة منها فى مجال السياسة لتجد مكانا يتجاوز حجمها الدولي والإقليمي ولتلعب دورا يُطرح عليه الكثير من علامات الاستفهام". وأشار القرموطي إلى أن "من أهم أركان الاقتصاد القطري هو الصندوق السيادي القطري الذي يبلغ حجمه حوالى 100 مليار دولار". ويذكّر الكاتب بما أكدته ل"الأهرام العربي" شيرين القاضي، رئيسة شركة "برايم للاستثمارات المالية" المصرية، من أن "الصندوق السيادي القطري يتجاوز حجمه 300 مليار دولار، فى الوقت الذي يوجد صندوق خاص للعائلة المالكة، هو الذراع الاقتصادي الأهم للبلاد عالميا وإقليميا ولا تعرف قيمته بالتحديد بسبب توغل هذا الصندوق فى مشاريع اقتصادية ذات أبعاد سياسية معلنة وخفية في نفس الوقت". ويضيف الكاتب "يتهم البعض السلطات القطرية بأنها سحبت احتياطات من السيولة المالية وأنفقت ببذخ على شركات دولية مفلسة وشراء ولاءات سياسية، فى ظل عدم وجود حكومة أو برلمان منتخب يراقب هذه التصرفات من جانب الحكومة القطرية، فى حين أن البعض يرى النمو الاقتصادي الذي يحققه اقتصاد قطر يجعلهم يغضون الطرف عن أي أوضاع سياسية غير مرضية". ومن بين الاستثمارات التي تثير الشكوك والريبة لدى بعض الخبراء، يذكر القرموطي "الاستثمار فى المصانع التى تعاني وضعاً ميئوساً منه، والبحث عن استثمارات غريبة، مثل محاولات شراء أندية تعاني ديوناً كبيرة، إلى شراء حقوق التسمية للهيئة البريطانية لسباقات الخيول!". وممكن إضافة الاستثمار في الأبراج، على غرار برج "شارد" على ضفة نهر التايمز في قلب لندن، الذي سيصبح عند اكتماله أعلى برج قطري ... في أوروبا. و"شارد" هو واحد من الاستثمارات العديدة لقطر في بريطانيا والتي تتّجه نحو العقارات، وخصوصا في لندن، مع ميل واضح نحو الأحياء الراقية. وأشار القرموطي كذلك إلى أن "المواطن فى قطر يتمتع بأعلى دخل للأفراد فى العالم". لكنه أضاف "القطريون ما زالوا يتساءلون أين وعود الحرية والديمقراطية والبرلمان المنتخب؟ ويرون أنه رغم كل تحقيق هذه المكاسب الاقتصادية فإنه تم فرض ضرائب كثيرة فى الخدمات والجوازات"، علاوة على رسوم المرور والجمارك والبلديات والمحاكم وغيرها. ماذا يعني "الأغنى في العالم"؟ في مقال بعنوان "قطر هي 'الأغنى في العالم' ولكن ماذا يعني ذلك؟"، تساءل مؤخّرا كاتب على مدونة "ميدل ايست بوست" قائلا "حققت قطر ناتجا إجماليا محليا يقارب 88 ألف دولار للفرد في عام 2010، ولكن هل الثروة يتم تقسيمها بالتساوي؟". ويجيب الكاتب "لا.. فقطر تقف عند رقم 45 تقريبا في مؤشر 'جيني' لقياس التفاوت في توزيع الدخل". ومؤشر جيني يقيس مدى كفاءة توزيع الدخل بالفعل في المجتمع. وكلما كان الرقم منخفضا يكون أفضل. فبريطانيا مثلا، وهي واحدة من أكثر المجتمعات في انعدام المساواة في أوروبا، تقف عند رقم 35. يُذكر أن عدد سكّان قطر أقل من مليون نسمة، أربعة أخماسهم من المغتربين.