أثارت رسالة الأب المحزون في وطنه وفلذة كبده محمد البلتاجي، لواعج واعتصارات أفئدة عديدة في العالم، وشاهد الناس كيف بكى رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، وسالت أدمع كثيرة وتزيأ بالصبر الجميل كل قلب غرس فيه عنف السلطة الانقلابية في مصر خنجراً مسموماً، وهاله العنف والتقتيل وسفك الدماء الذي جرى في ميداني رابعة العدوية والنهضة وبقية شوارع وميادين مصر. ولعل الأخ الكريم الوزير والوالي الأسبق عبد الرحمن نور الدين، قد حركت كل جوانحه هذه الرسالة التي كتبها البلتاجي لابنته وما ورد فيها من معانٍ جليلة شفيفة ونادرة، تصنع في أمتنا وإنسانها شعوراً ومشاعر وأفكاراً تتوالد من بعضها، وهي ترسم معالم في طريق الدعوة والإباء الانعتاق من ربقة الظلم والقهر والتتبيع. دماء الشهداء لا تذهب هدراً، وتنبت بعدها ملايين الأفكار والأزهار وتشرق الدنيا من وهجها الطاغي ونورها الأبلج، فالفكرة والحق لا يموتان، مهما بلغ الطغيان ذروته وتقطرت الدماء من أنياب وأظافر وسكاكين الطغاة البغاة، فأيادي الشهداء الضارعة لرب العباد وأرواحهم السمحة الصامدة أقوى وأمضى من أي سلاح. ومهما تجبَّر المتكبر وتحصَّن بما لديه من قوة وشرب من دم ضحاياه، فهو راعش مرتعد مرتعب لا يستطيع مواجهة صبية في عمر أسماء البلتاجي التي صارت من رموز الثورة المصرية ومن علامات الجيل القادم، ونقطة مضيئة في تاريخ الحركة الإسلامية في مصر والعالم. نترك عبد الرحمن نور الدين وهو قد احتزن وفاضت أعينه بالدمع. الرزيقي أخي محمد البلتاجي سلام عليك وعلى الشهيدة أسماء البلتاجي في الخالدين، والله ما شككت لحظة في شهادتها وهي خارجة تذود عن الحق وتشيد للإسلام دولة وتقدم للأُمة أنموذجاً في الفداء والتضحية. لقد أعادت لنا أسماء البلتاجي رجع سيوف بدر وأزيز رياح الأحزاب، والذين قتلوها هم من ذات الفئة التي انطلقت حربتهم الغادرة لتمزق أحشاء حمزة أسد الله وأسد رسوله.. فإن الزمان قد استدار كهيئته وذات مواقف الأمس تتكرر اليوم. وتالي القرآن كأنه ينزل عليه اللحظة بالأمس في هذا الموقف، فقد قال فرعون إن هؤلاء لشرذمة قليلون، وهو ذات منطق أعداء أسماء البلتاجي اليوم مع أنهم هم القلة وهم الفارغون وهم البعيدون عن الأفق المشرق. أخي محمد البلتاجي لقد قال رسول الله «ص» لأم حارثة: «إنها جنان وإن ابنك من أصحاب الفردوس الأعلى»، ونسأل الله أن تكون أسماء في الفردوس الأعلى في حواصل طير خضر تحت العرش. إن أسماء وإخوانها أضاءوا سماء هذه الدنيا وحدثونا عن أن المبادئ دونها المهج.. اصبر أخي محمد فإنما هي أيام قلائل وتلتقي أسماء إن شاء الله عند الحوض، فموعدنا الحوض وتحت لواء الحمد الذي يقوده محمد صلى الله عليه وسلم. وكل نقطة دم نزلت في ميدان رابعة سوف تظل تغمر أفقهم بدخان. وإن ما حدث في رابعة كأنه ذات ما عنته سورة البروج «والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهدٍ ومشهود قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود». إن أعداء أسماء أنفسهم شهود غداً على ما فعلوه بالمؤمنين في ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان. وفي دنيانا هذه أعداء أسماء ومن معهم إلى زوال «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون»، لأن البشرية المكدودة قد جربت ما عندهم قروناً.. إنها قفزة في داخل نفس القفص. إن الطريق اللاحب الضارب في شعاب الزمن ينتظم فيه الموكب الكريم الذي يقود خطاه الخيرون في هذه الأمة، وقد انتظمت أسماء البلتاجي بشهادتها هذه في ذات الصف إن شاء الله مع أبي بكر وعمر وبلال. إن فسطاط رابعة العدوية هو امتداد لفسطاط عمرو بن العاص والزمرة الخيِّرة معه الذين حملوا النور لمصر، وأسماء من نفس هذه الزمرة الخيرة إن شاء الله فقط تأخرت في المجيء زماناً. أخوك من السودان عبد الرحمن نور الدين مصطفى