المؤتمر الصحفي الذي عقده أعضاء المجلس العسكري لشرح ما جرى يوم الأحد الدامي لم يكن مقنعاً أو ناجحاً، بل أزعم أنه أضرَّ أكثر مما نفع أو أفاد.ذلك أنه أحدث نتيجتين سلبيتين، هما: أن المتحدثين فيه أعطوا انطباعاً بأنهم سكتوا عن أشياء وركزوا على أشياء أخرى، حتى إن صحيفة التحرير وصفته يوم الخميس الماضي «13/10» بأنه مؤتمر نصف الحقيقة. الأمر الآخر أن خطاب المتحدثين فيه كان دفاعياً ومعنياً بتبرئة ساحة الجيش والمجلس العسكري، وغير معني بقتلى المتظاهرين وجرحاهم. وإذ يفترض أن المؤتمر عقد لكي يجيب عن التساؤلات المثارة ويطمئن القلقين والحيارى، فإن العرض الذي قدم فيه أثار من الأسئلة أكثر مما قدم من إجابات. آية ذلك مثلا أنه جرى التركيز في الكلام على نفي مسؤولية الجيش عن إطلاق الرصاص على المتظاهرين، وهو ما صدقناه حين علمنا أن الجنود لم يزودوا بأية ذخيرة حية، لكن هذا الإيضاح أثار أسئلة أخرى عن الجهة أو الأطراف الأخرى التي أطلقت الرصاص. كما أن الحديث كرر الإشارة إلى أن المتظاهرين هم الذين اعتدوا على جنود القوات المسلحة، وهي إشارة غير مفهومة لأن المظاهرة كانت سلمية وقطعت نحو عشرة كيلومترات، مشياً على الأقدام وهي على ذلك النحو، الأمر الذى يرجح أن ثمة طرفاً ثالثاً هو الذي أطلق شرارة العنف، لكن أحداً لم يتوقف عند هوية ذلك الطرف وحقيقة دوره ومقصده. أما أكثر ما أثار الدهشة والاستنكار في المؤتمر فهو امتداح أحد المتحدثين للتلفزيون المصري، الذي لا يختلف أحد على أنه كان تحريضياً وكارثة. هذا القصور في المعلومات التي تم الإفصاح عنها ترتب عليه ضرران كبيران، هما: هز ثقة كثيرين في البيانات، التي أدلى بها أعضاء المجلس العسكري، ما أعطى انطباعاً بأنهم تعاملوا بانتقائية مع وقائعه. الضرر الثاني ترتب على الأول، ويتمثل في أن اهتزاز الثقة دفع البعض إلى اتهام المجلس العسكري والتطاول عليه على نحو تجاوز حدود اللياقة في بعض الأحيان، إذ ما تمنيت أن يتحدث بعض التعليقات عن »مذبحة الجيش« أو أن نقرأ عنواناً على ثمانية أعمدة فى إحدى الصحف الأسبوعية يقول عن شخص إنه نجا من الموت برصاص مبارك ومات برصاص طنطاوي، هكذا مرة واحدة، إلى غير ذلك من العبارات والأوصاف المسيئة التي تنم عن الافتقاد إلى المسؤولية، حين ذهبت إلى حد تجريح الجيش وتشويه صورة قيادته، بحيث سوت بين قيادة الرئيس السابق التي أذلت الشعب وأهانته وبين رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يعتز الشعب بانحيازه وصحبه إلى جانب كرامة الشعب وكبريائه وعزته. لا يحسبن أحد أننى أنزه المشير أو أياً من القادة العسكريين عن النقد، وأذكر بما سبق أن قلته من أن وجود المجلس العسكري ضرورة ونقده ضرورة أيضاً، لكن استخدام مثل هذه الأوصاف لا يدخل في باب النقد يقيناً، وإنما هو أقرب إلى الطعن والتجريح العلنيين. أزعم أن المجلس العسكري كان يمكن أن يتجنب اهتزاز الثقة أو جرأة البعض وتطاولهم لو أن المؤتمر الصحفي ركز على ثلاث نقاط أساسية، هي: الاعتذار لشعب مصر وللأقباط بوجه أخص عما جرى للمتظاهرين الذين قتل منهم «24» شخصاً، وجرح أكثر من مئتين. والاعتراف بأن ثمة أخطاءً حدثت من الطرفين أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.- وإجراء تحقيق مستقل لتحديد الأخطاء التي وقعت ومحاسبة المسؤولين عنها. لقد استشعرت غصة حين سمعت أحد القسس الذين قادوا المظاهرة يقول على شاشة التلفزيون إن المجلس العسكري صار خصماً في القضية، لذلك لا يمكن أن يكون حكماً، ومن ثم فينبغي أن تشترك الجماعات الحقوقية في التحقيق، وأن ترفع يد النيابة العسكرية عنه. وتحولت الغصة إلى لدغة حين سمعت البعض يتحدثون عن أن ما جرى يعد نوعاً من »الإبادة« التي يجب أن تخضع لتحقيق دولي. أدري أن تلك أصوات استثنائية، وأن المجلس العسكري لا زال يُحظى بثقة واحترام الأغلبية، إلا أننا ينبغي ألا ننكر أن وسائل الاتصال الحديثة أتاحت للجميع فرص التعبير عن آرائهم والترويج لها، بصرف النظر عن استواء تلك الآراء أو شذوذها. وإذا أحسنا الظن وقلنا إن أصوات التجريح الداعية إلى النيل من المجلس العسكري ودوره لم تغير من احترام الأغلبية وثقتها فى القوات المسلحة والمجلس العسكرى، فإننا لا نستطيع أن ننكر أن تلك الأصوات استطاعت أن تفسد جو الالتفاف حول المجلس وأن تحوله إلى مادة للتندر والاستهجان، ولا مفر من الاعتراف في هذا الصدد بأن الأخطاء التي شابت إدارة الأزمة، هي التي وفرت الفرصة لوقوع ذلك المحظور. إن قليلاً من شجاعة المكاشفة ونقد الذات كان يمكن أن يمنع عنا «بلاوي» كثيرة.