بلا استثناء، تأتي تعيينات الولاياتالمتحدةالأمريكية لسفرائها ومبعوثيها للسودان دوما ًمرتبطة بسياسات وأيدولوجية أمريكية معينة تهدف الأخيرة إلى رسمها على الواقع الإفريقي في ظل هيمنة الغرب واستعلائه في تعامله مع دول الجنوب. في وقت بدأت فيه هذه الدول تنشط في تجميع قواها لمناهضة الهجمة الاستكبارية الصلبة عليها. لكن يبقى دور الولاياتالأمريكية تجاه مزاعم سيادتها العالمية واحدة من أهم المعطيات التي تنداح في الساحة الإعلامية والسياسية في الإطار العالمي والإقليمي والدولي وأنها من الأهمية القصوى بمكان.1 وقد أصدر البيت الأبيض مؤخراً مرسومًا أمريكيًا قضى بإيلاء ملف السودان في الخارج للسفير الأمريكي في إثيوبيا ليكون مبعوثاً خاصًا لبلده الولاياتالمتحدة ليمسك بملف السودان الذي شهد في دهاليز السياسة الأمريكية تحولات كبيرة، في وقت أعلنت فيه عن نيتها وصول السودان ودولة الجنوب إلى علاقات تعايش وتبادل للمصالح بين البلدين دعمًا لاستقرار شعبيهما وفقًا لخط الإدارة الأمريكية الرامي إلى ضبط وحفظ التعايش السلمي العالمي والحفاظ على السلم والأمن العالميين. وقد حمَّل أوباما المبعوث الجديد دونالد بوث أن يقوم بالجهود والدور المطلوب لتنفيذ الاتفاقيات الأمنية بين السودان ودولة الجنوب بما في ذلك القضايا الأمنية والقضايا العالقة بشأن الحدود والنفط بجانب قضايا حقوق الإنسان في دارفور وغيرها من المناطق المشتعلة. فيما امتدح جون كيري وزير الخارجية الأمريكي تعيين بوث لاستلام هذا الملف الذي ظل ينقله البيت الأبيض من مبعوث لآخر في فترات زمنية وجيزة دون أن يرى أي تقدم ملحوظ يصل بالعلاقة بين البلدين إلى مرحلة التطبيع. ولكن كيري هذه المرة أكد في بيان له أن المبعوث الجديد سيُحدث نقلات في هذا الملف وذلك بحسب البيان الذي أكد أن الرجل يحمل من المواصفات ما يمكِّنه من إحداث خروقات إيجابية في هذا الجانب، وأشار إلى أنه موظف محنك وأنه يمثل إضافة حقيقية إضافة لكونه من مواليد 1954م وحاصل على البكلاريوس في إدارة الأعمال في جامعة بوسطن قبل أن يحصل على الماجستير في دراسات الأمن القومي من كلية الحرب القومية الأمريكية ليلتحق فور ذلك بالخارجية وقد عمل في كل من ليبريا وزامبيا ومستشاراً اقتصاديا في أثينا ومسؤول العلاقات الدولية في مكتب الشؤون الأوربية الشرقية وضابط مكتب شؤون مصر ومكتب شؤون الشرق الإفريقي وعدة سفارات رومانيا، غابون، وبلجيكا. وأشار البيت الأبيض للسيرة الذاتية الطيبة التي تميِّز المبعوث الجديد، كما أعرب عن تمنياته في أن ينقل الواقع في المنطقة للمستوى المطلوب. يأتي هذا كله في ظل إصرار الولاياتالمتحدة على عقوباتها الاقتصادية على السودان والتي لا يزال السودان يعاني من إحكامها، وكانت الخارجية السودانية قد أعلنت أن العقوبات الأمريكية بها من الثغرات ما يمكِّن السودان من الاستفادة منها في دفع وتحسين عجلة الاقتصاد السوداني. وأشارت الخارجية إلى أن دولاً أكثر سوءًا في علاقتها بالإدارة الأمريكية استفادت من جوانب أخرى متاحة في العلاقة معها وأشارت الخارجية إلى التجربة الإيرانية في هذا الصدد فيما أشار إلى إحجام أمريكا عن الاستثمار في السُّودان في وقت كانت فيه سباقة في هذا الجانب الشيء الذي أفسح المجال لدول أخرى، ولكنه أكد أن السودان غير خسران وإنما الخسارة تعود للولايات المتحدة التي فقدت الكثير بعدم استثمارها في السودان. ويطالب مراقبون الولاياتالأمريكية بالنظر لموضوع السودان نظرة منصفة لكونه دولة تتطلع لرفاهية شعبها وتحارب الإرهاب الذي تحاربه الولاياتالمتحدة وتعمل آلياتها في سبيل ذلك، وأشار بعضهم إلى أن منح إيفاء ديون السودان التي عجزت الدولة عن سدادها ضرورة حتمية تؤدي إلى تحسين العلاقات ونموها بين البلدين، ويشير هؤلاء أن الولاياتالمتحدة تملك الكثير لتعفو عن هذه الديون التي أصبحت كرت ضغط في يد الحكومة تلوح به في وجه الخرطوم متى ما ساءت العلاقات بينهما، فيما أشاروا إلى إمكانية عودة أمريكا لخارطة الاستثمار في السودان بعد أن هجرته لدول أخرى، وأشعل ذلك فتيل العداء بين البلدين. وقرأ بعض المراقبين لملف العلاقات الأمريكية السودانية، إن أمريكا ومن خلال مبعوثيها الخصوصيين للسودان تؤكد مدى ارتباطها بهذه الدولة، ويشير هذا بدوره إلى إمكانية تنمية علاقاتها بالسودان وترفيعها من مرحلة الشك والريب والعداء السافر إلى مرحلة تناغم وعمل مشترك، ولكنهم استنكروا مقايضة أمريكا مسألة ديون السودان بضمان الأمن الخارجي الأمريكي، بيد أن هؤلاء أكدوا أن السودان سوف يستفيد كثيراً من هذه العلاقات إذا ما تطورت للأفضل ولكنهم حذروا من مغبة بنائها على الحيثيات الأمنية نظرة أمريكا الغالبة في تعاملها مع الدول الإسلامية بيد أن كثيرين لم يعربوا عن تفاؤلهم بالنوايا الأمريكية خاصة فيما يتعلق بالدول النامية. وكان مبعوثا الولاياتالامريكية للسودان ليمان وبرليستون السابقان قد لعبا دوراً كبيراً في علاقة السودان بالمحيط الدولي من خلال الآثار التي ترتبت على تعميق أو تجسير العلاقات بين البلدين، وقد شهدت الساحة الدولية خلال أزمة دارفور أدوارًا مختلفة لهما مما أدى بدوره إلى فتور ساد العلاقات بين الخرطوم وواشنطن.