كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    أيهما تُفَضَّل، الأمن أم الحرية؟؟    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النخبة المصرية المتغربة.. أصل الشجرة وثمارها المُرة
نشر في الانتباهة يوم 31 - 08 - 2013


جابر الأنصاري عبد الله معروف
من قدر له أن يحتك بالمجتمع المصري العظيم، ويتابع الشأن المصري السياسي والاجتماعي والثقافي والفكري، يتبين له أن هناك قلة مترفة لها قسماتها الخاصة، وطعمها ولونها الخاص، وعقليتها المختلفة، ونمط حياتها الغريب والمغاير للمجتمع المصري الأصيل.
هذه النخبة في حاجة الى تشخيص دقيق كما نشخص المرض، بدايته ومراحل نموه، وآثاره الباثولوجية على الجسم، وعلاجه. لا أدعي وحدي مقدرتي على هذا التشخيص والعلاج، وإنما أسلط الضوء على هذه النخبة لسبر غورها، ومعرفة حجم التحدي الذي تشكله، ليس أمام مصر وحدها، وإنما أمام مسلمي العالم كافة، كما أدعو غيري من الباحثين للادلاء بدلوهم لمزيد من التشخيص لهذه النخبة المصنوعة والمدسوسة.
اتفق كثير من الباحثين على تسمية هذه النخبة بالمتغربة، بمعنى تشربها بالثقافة الأوربية الغربية. ولأسباب تاريخية تمكنت هذه النخبة من التحكم الاخطبوطي في المجتمع المصري واستحوذت على مقدراته، وما القول بالحكومة العميقة الآن إلا إحدى أيادي هذا الاخطبوط المرعب الخطير!!
من ناحية تاريخية تعتبر النخبة المصرية المتغربة نتاجًا لمشروع محمد علي باشا، الذي جاءت به القوى الأوربية الذكية حاكماً على مصر عام 1805م. ومن المعروف أن محمد علي باشا ألباني الجنسية، لا يعرف اللغة العربية إذ كان له مترجم خاص اسمه عبد الله بكتاش، وكان أصلاً تاجر تبغ، فانخرط في سلك الجندية في الجيش التركي الموفد الى مصر وتدرج فيه، وكان ذا طموح غير محدود، فاستطاع منتهزاً فرصة الثورة الشعبية على خور شيد باشا واضطراب القاهرة والمدن والارياف المصرية استطاع أن يستقطب القيادات الشعبية وعلى رأسهم السيد عمر مكرم نقيب الأشراف، والشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر ومشايخ الازهر، ثم حظي بفرمان حكومة الاستانة في تركيا تحت عجزها وغفلتها في ذلك الوقت.
بتولي محمد علي باشا الحكم والياً لمصر « 1805 1853م» وكان يطلق عليه مؤسس الدولة المصرية الحديثة وباعث نهضتها واستقلالها. بتوليه حكم مصر، حدث فيها تحول جوهري خطير فبعد ان كانت مصر ولاية ضمن الخلافة العثمانية صارت دولة قومية، ثم استعرت حمى القومية التي مزقت العالم الاسلامي الى دويلات وصارت كل دولة بما لديها فرحة. وفرحت مصر بتراثها الفرعوني وظهر مفكرون وكتاب ومؤرخون ومختصون من الوطنيين والنصارى العرب أمثال ساطع الحصري ومن الأوربيين أمثال لورنس العرب يمدونهم في الغي، لتهتم كل دولة بخويصة نفسها، ويمنونها بأن تنهض وتلحق بركب الأمم وبالتحضر والرقي الغربي، تلك الفكرة التي تناهض مشروع الجامعة الاسلامية التي تتبناها الخلافة العثمانية وقتئذ.
ثم فتح محمد علي باشا قنوات الوصال والتعاون مع أوربا بنصائح صديقه اللصيق الفرنسي الميسومانجان وتم التعاون في كل الميادين، لنقل نظم التعليم والإدارة والتشريع والتنمية العمرانية، وبعثت مصر بعشرات الشباب الى فرنسا وانجلترا وايطاليا والنمسا وما اسم رفاعة رافع الطهطاوي وغيره من المبتعثين بمجهولة. وتلقى إسماعيل باشا بن إبراهيم بن محمد علي باشا تعليمه وتربيته ضمن البعثة المصرية الخامسة في باريس، حيث انضم الى انجال محمد علي: الأمراء أحمد رفعت، وعبد الحليم، وحسين. يقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعي: فبهرته باريس وما فيها من جمال وروعة وغواية، وفتنة، وكان إسماعيل باشا يتقن اللغة الفرنسية كتابة ومخاطبةً كأحد أبنائها ومن هنا نشأت ميوله الباريسية وجعلته منذ أن تولى الحكم «1863 1879م» يسعى في ان يجعل القاهرة باريس ثانية ولو كلفه ان تمتد يده الى القروض التي ناءت بها البلاد وجلبت أخيراً الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882م
لا غبار في الاقتباس من التقدم والتراث الانساني، فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها أخذها، واطلبوا العلم ولو في الصين كما جاء في الأثر. ولكن ما تم في مصر قصد به إحلال الحضارة الغربية، وتهميش مقومات الدين والشريعة الاسلامية ليتضاءل أثرها ويظل قابعاً في المساجد والزوايا والمقامات والمزارات الصوفية. هذا مع السعي الحثيث لجعل الأزهر وعلمائه هيئة إكليروس ورجال دين على نمط النظام الكنسي إذ يضع البابا التاج على رأس الأمبراطور أياً كان ويباركه ويزكيه، وهكذا أريد لشيخ الأزهر أن يفعل. وبرغم التاريخ الناصع المضيء للأزهر الشريف إلا أنه ما خلا من مشايخ يبيعون الفتوى بثمن بخس دراهم معدودة ووظائف زائلة.
بنى محمد علي باشا وأبناؤه من بعده الدولة المصرية الخديوية، التي تقوت بحلفائها الانجليز والفرنسيين، وبأخلاط الشراكسة والأرناؤوط والبشناق، فهيمنوا على خيرات مصر وكان منهم الباشوات والاقطاعيون وكبار ملاك الاراضي. أما قصور وضياع وأثاثات ورياش ومجوهرات الاسرة المالكة فتحدث هى عن نفسها حتى الآن. يكفي ان أحد قصور الخديوي عباس حلمي الثاني تحفة نادرة قيل إن بها ألفي شباك!
وانقسم المجتمع المصري الى طبقة عليا مستفيدة مستقوية بنعمة الخديوي وظله، وهمش المجتمع المصري بكامله وأصبح طبقة دنيا وهم الفلاحون والعمال وصغار الموظفين والخدم والحشم.
ثم اشعلت مصر الخديوية ما يسمى بحروب الاستقلال، وهى حروب توسعية في إفريقيا والحجاز والشام لدرجة أن اقتحمت جيوشهم عام 1831م الأناضول واستهدفت الإستانة نفسها عاصمة الخلافة! لقد قصد محمد علي باشا من تلك الحروب التوسعية بناء دولة كبرى تضاهي الخلافة العثمانية حتى استقلت عنها تماماً.
قال المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في مقدمة كتابه عصر إسماعيل: «إن استقلال مصر كان ثمرة الحروب التي خاضت غمارها في عصر محمد علي، تلك الحروب بذلت فيها الأمة عشرات الآلاف من زهرة ابنائها. » وكانت تلك الحروب بقيادة إبراهيم باشا بن محمد علي وأخيه طوسون باشا، وتواصل تنفيذ مشروع التوسع في السودان وغيره لأهداف بعيدة كل البعد عن أهداف الاسلام وأصبحت مصر التي تسمى كنانة الاسلام في خدمة مصالح المستعمِر الأوربي من حيث تعلم ولا تعلم!!
ومن الغريب أن كل البعثات الإرسالية الأوربية التنصيرية على السودان والتي جابت شماله وجنوبه وشكلت جنوباً هيمنت عليه الكنيسة تلك البعثات تمت تحت ضيافة وتسهيل الحكومة المصرية الخديوية في القاهرة كما أوضح ذلك البروفسير حسن مكي في كتابه مشروع تنصير السودان!!
ومن الغريب أن ما يسمى بجيش استرجاع السودان بقيادة اللورد كتشنر البريطاني في 1898م تم بتمويل كامل وجنود مصرية اللهم إلا الفرقة الهندسية الإنجليزية وبعد قتل عشرين ألف سوداني شهيداً في معركة كرري سلم السودان الى بريطانيا في طبق من ذهب.
سلكت مصر محمد علي مسلك الدولة العلمانية «Secularism»أي اتخذت شعار «ما لله لله وما لقيصر لقيصر» مجانبةً لنهج الإسلام «ما لله لله، وماليقصر لله» وسار على خطاه أبناؤه وأحفاده الذين تداولوا الحكم حتى آخرهم فاروق ملك مصر والسودان، الذي خُلع من العرش في ثورة 23 يوليو 1952م. وجاء على إثره عبد الناصر ثم السادات ثم الأخير مبارك بنفس النهج الملوكي العلماني القهري مع اختلاف المسميات والأزياء وإن خُدع من خُدع.
ولدت النخبة المصرية االمتغربة من هذا السفاح المأفون بين الخديوية والعسكرتارية المصرية من جهة، وبين الغرب المحتل من جهة أخرى. ثم نمت النخبة المتفرنجة وترعرعت وشبت عن الطوق، وهيمنت على التعليم والثقافة، والفكر والأدب والصحافة، والقانون والفنون والموسيقى، والسينما وضربت بسهم عظيم في هذه المناشط برجالها ونسائها ومفكريها، وتسربت في كل مجالات الحياة كتسرب الماء في عروق النبات.
قامت النخبة في مصر برسالتها المرسومة لها خير قيام طوال قرنين من الزمان عبر التعليم والمناهج التي خطها دنلوب، ومن خلال الادب والصحف والمجلات والأوبرا الملكية والسينما وافلام الحب كما يقولون ومن خلال المسرح والغناء.. ويكفيك أن عمر السينما المصرية تجاوز المائة عام حتى اختلطت عليهم السياسة بالتمثيل وإن السينما والسياحة تستوعبان الآن ثمانية ملايين نسمة من المصريين بشهادة صحفهم.
قامت النخبة «الموديل» أو النموذجية برسالتها خير قيام داخل مصر وفي الدول العربية فمصر هى الرأس فغسلوا عقول الشباب والرجال والنساء وطعنوا في مزايا التشريع الاسلامي للدولة، وتجاهلوه بل حاربوه وخرجوا بمسمى الإسلام السياسي، كما طعنوا في تشريع الأسرة في الإسلام، ونشروا باسم الحرية الشخصية التبرج والعري في الشواطئ، ونشروا الإباحية والأخلاق الوضيعة، والسطحية والسفه والانتهازية، وسعوا في تمريغ كرامة مصر وتحطيم مكانتها وتحويل مشاعر شعبها الى مشاعر الاستهلاك والانتفاع المادي، حتى تجد من يستأجر بالمال لقتل أمه وأبيه وفصيلته التي تأويه، وظهر فيهم رجال هم طوع بنان مرؤوسيهم لأي توجيه مهما سفل!! يقولون: «اللي تشوفوا ياباشا إحنا خدامينك، أنت تأمر وبس»!!. وجعلوا الناس يتزاحمون على القوت بالاكتاف ويخطفون اللقمة من أفواه بعضهم البعض وتبخرت دعاوى الاشتراكية والرفاهية والعدالة كتبخر الماء في هجير الصحراء.
وسعوا لترسيخ عقيدتهم القتالية لدى القوات المسلحة والباشبوزق والانكشارية، تلك العقيدة التي تقول بأن الإسلاميين من أكبر المهددات على أمن مصر القومي!! «مصر التي يمتلكونها وحدهم بالطبع» ويضمرون في نفوسهم أن أمن إسرائيل من أمن مصر!! وعليه مستباح عندهم ارتكاب ما يدهش الشيطان، والمثل يقول: يقتل القتيل ويمشي في جنازته ولكن إعلامهم يقتل القتيل ويصلي إماماً على جنازته!
وقل الحياء فيهم وإنما أدرك الناس أن من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ماشئت وقد شاهدت حلقة تلفزيونية يتحدث فيها رجلان تجاوزا السبعين من العمر من حملة الشهادات العلمية العالية في تخصص الرقص الشرقي!!
ما ينقص جمهور النخبة المتغرِّبة المتجذِّرة في مصر، أنهم لا يعبدون الأصنام كالوثنيين، ولا يطوفون حول النار كالمجوس، ولا يغمغمون على حائط المبكى كاليهود، ولكنهم من بني جلدة الشعب المصري، ويتحدثون لغته، ويتسمَّون بأسماء المسلمين، ولكن يصدق عليهم حقيقة الوصف بالنفاق، . ذلك الوصف القرآني الدقيق لمن يُظهرون غير ما يبطنون، ويؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه فهم منافقون حقاً، من حدث منهم كذب، ومن خاصم منهم فجر، ومن عاهد منهم غدر، ومن أؤتمن منهم خان والعياذ بالله.
لقد تفتقت عبقرية الأمم النامية التي كانت تلهث خلف مصر في القرن الماضي، كاليابان والصين وكوريا، ونهضت اجتماعياً وتكنولوجياً حتى نافست منتجاتها أوربا وامريكا الآن، ولم تتفتق عبقرية النخبة المصرية المتغربة إلا في الانحدار والغثائية واخيراً اخراج دولة تعيش على الاستجداء والمعونات والمنتجات الثانوية!.
ما كان لأرض الكنانة وشعبها الأصيل أن يسكتوا على هذا الضيم والهوان، فكان يخرج من بينهم علماء أفذاذ ومجاهدون أشاوس، من حين لآخر، يجهرون بكلمة الحق، ويحاولون لي عنق المسيرة المنحرفة نحو الضلال، ولكن التيار الجارف كان قوياً. ومن هؤلاء الإمام محمد عبده «1849 1905م» والذي تتلمذ على ثائر الشرق السيد جمال الدين الأفغاني «1839 1897م» ومنهم مصطفى كامل «1874 1908م» ومحمد فريد «1868 1919م» وغيرهم من الإصلاحيين من الشام كالإمام رشيد رضا صاحب المنار، والأمير شكيب أرسلان ولكن وبشهادة المنصفين يعتبر الإمام حسن البنا «1906 1949م» هو مجدد القرن، والباعث لحركة الإسلام الحديثة بلا منازع بمصر ثم بالعالم الاسلامي قاطبة نسبة لاتباعه المنهج النبوي العملي في الاصلاح والتغيير، وصف الصفوف، وشحذ همم الشباب المتطلع للدفاع عن حياض الاسلام ولإعادة دولته ومجده وعدالته وشرعه الحنيف.
نجح المعلم الشاب البسيط حسن البنا نجاحاً باهراً في اقامة تنظيم اسلامي راشد ملم بالواقع الاجتماعي، ومزود بثقافة عالية ومعرفة بابعاد الصراع الاقليمي والعالمي فانتشرت دعوة الاخوان في مدن مصر وقراها وريفها وانداحت دائرة الدعوة في العالم العربي والإسلامي.
وكانت كتائب الاخوان المسلمين من أشرس المقاتلين لليهود في حرب فلسطين عام 1948م، وقد شهد ببطولاتهم قادة الجيش المصري. قال العلامة الهندي ابو الحسن الندوي في مذكرات سائح في الشرق العربي ص 183 بعد لقائه بالسيد أمين الحسيني مفتي فلسطين عام 1951م قال: «وقد أثنى المفتي على الشهيد حسن البنا رحمه الله وأثنى على الاخوان المسلمين المجاهدين في فلسطين واثنى على رجولتهم وقوة ايمانهم وحماسهم وقال: كان الواحد منهم يقابل عشرات اليهود».
ولما كانت منظومة الغرب الاستعماري والماسونية واللوبي الصهيوني واستخباراتهم يمتلكون جهاز رقابة في غاية الحساسية والعلمية والخبث، فقد تيقنوا أن حركة الإخوان وحدها هى التي ستضع أصبعها على مفتاح النهضة والتحرر للعالم الإسلامي، وبالتالي فإن مصالحهم لا شك ضائعة، وأطماعهم لا شك خائبة. وهنا انعقد العزم على القضاء على هذه الحركة معنوياً بسلاح الافتراء والتشهير، وجسدياً بتصفية قياداتها. فأوعز الانجليز والفرنسيون للملك فاروق بحل جماعة الاخوان، وبالتخلص من الإمام حسن البنا وكان لهم ما أرادوا ففي12 فبراير 1949م تم اغتيال الإمام حسن البنا عن عمر لم يتجاوز الثالثة والأربعين عاماً بأحد شوارع القاهرة.
إن كلمة الإرهاب «Terrorism» أول ما خرجت من أفواه اليهود الصهاينة يدمغون بها الإخوان المجاهدين في حرب 1948م. والآن يرددها اذنابهم ويجعلونها بسملات لذبح الشباب المسلم الطاهر المجاهد. ويرفعونها شعاراً لهم في أجهزة إعلامهم للتحبب لأمريكا وذيولها.
لقدكان للإخوان المسلمين وضباطهم في الجيش المصري أمثال اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف رحمه الله دور عظيم في القيام بثورة 23 يوليو 1952م التي خلعت الملك فاروق وبها تنسمت مصر لأيام معدودة عبير الحرية بعد حكم آل محمد علي المتطاول، ولكن أيدي الصهاينة والامريكان الخفية ازاحت اللواء محمد نجيب عن قيادة البلاد، ونصبت محسوبهم جمال عبد الناصر ليقيم هو ومن خلفه الدولة البوليسية المسعورة لستين عاماً أخرى!! ثم توالت الضربات القاسية من الجنرالات الثلاثة على حركة الاخوان المسلمين وفتحت السجون سيئة السمعة، ونصبت لهم المشانق، والتهبت الحملات الإعلامية الكاذبة الجائرة ولكن ظلت الحركة بفضل الله تم بفضل رجالها الصابرين الأشاوس باقية حتى كان ما كان في ثورة 25 يناير2011م ولكن هل تستسلم النخبة المتغربة والمتجذرة في خلايا الدولة المصرية لهذا التحول؟ وعلى أيدي الإسلاميين؟؟ لقد تكرر سيناريو 1954م مرة ثانية بأصابع الصهاينة والأمريكان فتمت إزاحة الرئيس الشرعي د. محمد مرسي على يد جنرال مشبوه التوجه، مشبوه النسب، هو فرعون جديد يدَّعي امتلاك الحقيقة، وامتلاك خارطة الطريق المؤدية الى الحل السليم!! فكأنه يقول كسلفه فرعون موسى: «مَآ أُرِيكُمْ إِلاّ مَآ أَرَىَ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرّشَادِ» غافر/29
يشهد العالم الإسلامي اليوم بصدمة بالغة مرحلة دموية وحشية في مصر تمثل وصمة عار في جبين الإنسانية ويحشر فيها الشعب المصري كله في حظيرة الاخوان المسلمين، ليتم تجييرهم بكلمة الإرهاب لتسهيل ذبحهم. إن مصر الآن تتلظى من أزمة ضمير فادحة وقضاء يتباهى كذباً بحيدته يقتل تحت سمعه وبصره حتى الآن أكثر من خمسة آلاف شهيد وعشرة آلاف جريح وعشرة آلاف معتقل ثم يقنن ويشرعن هذه المحرقة إنه حقاً لقضاء معصوب العينين ومعصوب الإنسانية شعاره سيف بلا ميزان!! إن هذه هي الثمار المرة ما فعلته وما ستفعله النخبة المصرية المتغربة التي تستميت لحفظ مصالحها بأي ثمن ولو بحرق الأرض بمن فيها.
لقد جنى الانقلابيون على أنفسهم وعلى مصر جناية عظيمة، إذ يسوقونها للاقتتال الداخلي والإضعاف والتقسيم ليقدموا في خاتمة المطاف خدمة عظيمة لإسرائيل تحقق بها أمنها وتصل بها لمبتغاها. وبين هذا وذاك نذكر قوله تعالى «وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» الروم/47


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.