سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبول العبودية والتخريب باسم الدين
نشر في حريات يوم 20 - 10 - 2010


المستشار محمد سعيد العشماوي :-
ظهر العثمانيون التتار علي مسرح التاريخ عام 1281م بزعامة قائدهم عثمان ابن أرطغرل ابن سليمان شاه(1259 -1226)، في عهد التتار السلاجقة، حيث أقطعه هؤلاء أراضي بآسيا الصغري لأنه كان قد ساعدهم في حروبهم ضد البيزنطيين، أي سكان القسطنطينية من المسيحيين الذين كان يطلق عليهم وصف البيزنطيين نسبة الي اسم المدينة الأصلي بيزنطة، قبل أن يحوله المسيحيون الي القسطنطينية ثم يجعله الأتراك العثمانيون اسلام بول أو استانبول أو الأستانة. وقد أعلن عثمان هذا استقلاله عندما انهارت امبراطورية التتار السلاجقة، ولما مات خلفه ابنه أورخان الغازي الذي استولي عام 1226 علي بروسة، ثم استمرت غزوات العثمانيين في كل اتجاه ممكن، والي اسم الغزوة صار قائدهم يلقب بالغازي. والي عثمان ابن أرطغرل عمد التتار، الذين تسموا بالترك نسبة الي لغتهم، الي وصف أنفسهم بالأتراك العثمانلي أو العثمانيين. وفي عهد السلطان محمد الثاني الملقب بالفاتح (1451-1481) استولي العثمانيون علي مدينة القسطنطينية، فقوضوا الإمبراطورية الرومانية الشرقية المقدسة، واستولوا علي أملاكها في منطقة البلقان أساساً وفي غيرها، ومازالت منطقة القسطنطينية، أي مدينة الأستانة كما أطلقوا عليها وما حولها، هي الجزء الأوروبي من السلطنة التي انحصرت في تركيا الحديثة. وفي عهد سليم الأول استولي العثمانيون علي أراضي الشام 1516، ثم علي مصر عام 1517 وأجبر سليم هذا آخر الخلفاء العباسيين، الذين صار مقرهم القاهرة، المتوكل علي الله بن المستمسك علي التنازل عن الخلافة له، فانتهت الخلافة العباسية الثانية، وانتقل كرسي الخلافة الي العثمانيين في الأستانة، لكنهم مع ذلك تمسكوا بلقب ” السلطان ” وهو لفظ ورد في القرآن، علي معني السلطة والقوة والتمكين ( ان عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) الحجر :65.
مفاد ذلك أن غزو القسطنطينية وإسقاط الإمبراطورية الرومانية الشرقية المقدسة، والإستيلاء علي منطقة البلقان، وأملاك هذه الإمبراطورية، كل ذلك حدث قبل أن يستلب العثمانيون منصب الخلافة، وأنهم بعد هذا غزوا الشام ومصر، أي غزوا مناطق تدخل في نفوذ الخلافة العباسية الثانية، وانتهت الي إكراه الخليفة علي التنازل عن منصبه، ومع ذلك فإن بعض، بل أغلب، كتب التاريخ العربي تزعم أن هذا الغزو هو ” الفتح العثماني “، فهل يستقيم ذلك في العقل والمنطق، أم أنه استعمال للألفاظ في غير موضعها، مما يرتب نتائج فكرية وعقائدية وتاريخية تخالف الواقع وتجانب الحقيقة؟ ثم، لماذا يتحمل المسلمون أخطاء التتار، باعتبار أنهم مسلمون، مع أنهم حاربوهم بشدة وعنف أيام ابن تيمية ( تقي الدين الحراني 1263-1328) وكفرهم هذا بفتاوي لم يزل أثرها فعالا حتي اليوم.
كان التتار العثمانيون موغلين في البداوة عاطلين من الحضارة، معادين للإنسانية، كارهين حتي أنفسهم، بدليل اعتياد السلطان منهم متي ما وصل الي سدة السلطنة أن يقتل اخوته من الذكور حتي لا ينازعوه السلطان، ولما تهذبت السلطة قليلاً بدلت بالقتل سجناً مدي الحياة فيما سمي قفص، وصار المسجونين من الأمراء يسمون ” أمراء القفص “. ومن كان هذا فعله مع إخوته وأشقائه، فهو لابد أن يكون قاسياً بلا رحمة، قاتلاً بغير شفقة، لا توجد لديه ذرة من انسانية ولا لمحة من تدين حقيقي. لقد أسلموا علي الظاهر، وآمنوا علي حرف، وأبقوا علي لغتهم التركية وإن كتبوها بأحرف عربية، كما حدث في اللغة الفارسية واللغة الأردية واللغة الكردية، لكنهم لم ينقلوا لسانهم الي العربية، وكان السلاطين لا يتكلمون العربية، ولو كلغة ثانية، ولا يقرأون القرآن، ولا يعرفون شيئاً من الشرع أو عن الفقه، ولذلك فقد ابتدعوا منصب المفتي الأعظم، تأثراً بالنظام المسيحي في القسطنطينية، ليبدي لهم الرأي الفقهي علي ما يريدون، ثم يزعمون أنه حكم ديني.
ومن بلاد البلقان كان العثمانيون يتخذون المحظيات والجواري مما أدي مع الوقت الي تبدد ملامح الشكل المغولي وظهور العنصر التركي الحديث. ومن بلاد البلقان كذلك، كان العثمانيون يتخيرون النبهاء والأشداء من الشباب الذكور فيمسلمونهم ويفصلونهم عن أسرهم، فيكون ولاؤهم للسلطان وحده، ومن ثم يتخذون منهم من يلحق بالنظام الإداري المسمي ” البادشاه “، ويختارون منهم من يصبح من الجند والقادة، فيما يعرف بالإنكشارية Janissary . ولأن استمرار الانتصارات مع البداوة البدائية، وتكاثر المال وتقاطر الولاء، يحدث ضرراً جسيماً بالعقول والنفوس، فقد زاد ذلك من الاستكبار والاستعلاء الذي يتسم به البدو البدائيون ويتصف به الدون الجاهلون. وتكبر واستعلاء العثمانيين مع الجهالة والصلافة لم يزل مضرب الأمثال في البلاد العربية، وخاصة في مصر والشام. ومن هذا العوار النفسي والبوار العقلي رأي العثمانيون التتار في البلاد التي ضموها اليهم إيالات، أي ملكيات خاصة آلت إليهم، وفرضوا عليها الجزية، حتي لو كان أهلها من المسلمين، كما اعتبروا جميع الناس في هذه الإيالات، أي الملكيات الخاصة، عبيداً ورعايا، علي المعني الذي يفيد تبعية القطيع للراعي. وجعلوا شرعيتهم أمام المسلمين، ما تميزوا فيه من حروب مستمرة وقتالات دائمة وتخريب متوال، أنزلوا عليها أوصافاً إسلامية فادعوا أنها جهاد في سبيل الله ورباط الي يوم القيامة، يهدفون منه الي تقويض المسيحية واحتلال عواصمها، في القسطنطينية وفيينا، ومسلمة النبهاء من أبنائها، وخاصة أبناء البلقان التي تتكون من ألبانيا واليونان وبلغاريا ومعظم يوجوسلافيا وجبال رودوب وجبال البلقان، هذا فضلاً عن منطقة بيزنطة أو القسطنطينية . وكانت فكرة تقويض المسيحية وتغليب الإسلام مريحة للشعوب الإسلامية، يسلمون علي مقتضاها كل قيادهم الي السلطان التركي باعتباره سلطان المسلمين، مهما أوهنهم وأذلهم واستعبدهم. وهذا الفهم الخاطئ هو الذي جعل المصريين يستذلون أنفسهم للتتار الترك منذ غزوهم في ديارهم عام 1517 حتي تاريخ دخول الجيش الفرنسي الي مصر عام 1798 فلم يثوروا أو يهيجوا، رغم شدة الظلم وقسوة العيش ودوام العسف الذي كان رازحاً عليهم بقوة ودوام (يراجع في ذلك كتاب الجبرتي المشار اليه وكتابنا مصر والحملة الفرنسية) ثم ظهور السرور والحبور عليهم بخروج الفرنسيين من مصر، ومباركتهم لبعضهم البعض باعتبار أن فيما حدث انتصاراً لسلطان المسلمين علي الكفرة الفرنسيين، وما ان خرج الفرنسيون من مصر، ودخل جند السلطان اليها، إلا وضج المصريون من عودة المظالم والعسف والإهمال، وهو أمر يثير التساؤل، لماذا يقبل المسلمون الظلم والعسف والهوان من مسلم ولو كان اسلامه ادعاء، ويرفضون العدل والنظام والاحترام من غير المسلم؟ ألا يقطع هذا بانحراف في فهم الدين والشريعة والتواء في التصرف ورد الفعل، يؤدي الي قبول العبودية والتخريب باسم الدين ورفض التحررية والتعمير ان كانت من غير طريق اسلامي، مع أن ثمة قولاً ينسب الي النبي يتأدي في ان (ينصر الله الدين بالرجل الفاجر) فلم لا يقبل العون من غير المسلم ان كان النصر يقبل للدين من الرجل الفاجر؟
توالت الأحداث حتي وصل الي ولاية مصر محمد علي الكبير (1805 ). ولأنه من الجند الإنكشارية فإنه بهذه المثابة يكون مسيحي الأصل تمسلم ليلتحق بالجندية . يؤكد ذلك ان اسم محمد علي شائع بين من يعتنقون الإسلام حديثاً، وأن أصوله مجهولة الأسماء، وأنه من قولة في بلاد اليونان (حيث كانت ثمة أوقاف له)، وأنه لم يعرف العربية ولم يتكلم بها حتي وفاته، فكانت مكاتباته ولغة الدواوين في عصره هي باللغة التركية. هذا بالإضافة الي أن أصهاره كانوا يونانيي الأصل وآخرهم يوسف باشا ذو الفقار والد الملكة السابقة فريدة (صافيناز ذو الفقار). ونتيجة لأن محمد علي ولد وشب مسيحياً فإنه لم يتشرب الفكر البدوي البدائي المتعصب ضد غير المسلمين وكل ما يأتي عن طريقهم من فضائل وعمار وتنظيم، ومن ثم فقد استعان بستة عشر مستشاراً من الفرنسيين من جماعة سان سيمون (1760-1825) وهو فيلسوف اجتماعي فرنسي، تمحورت أفكاره في أن مفهوم الاخاء الإنساني يجب ان يكون مصاحباً بالتنظيم العلمي، هذا فضلاً عن بذور اشتراكية واتجاهات اصلاحية. وقد التف حوله عدد من الشباب سموا بعد وفاته بالسيمونيين. وإذ كان بعض هؤلاء الشباب محباً لمصر، يرون أن فكرها هو الأصل في الفهم الديني والنظام الأخلاقي، فقد تحلقوا حول محمد علي، وبنوا النهضة المصرية الحديثة علي الأساس الذي قدمته الحملة الفرنسية، من واقع ما حدث منها من تنظيم وإعمار وإنشاء، وبانتهاج ما جاء في كتاب ” وصف مصر ” الذي وضعه العلماء الفرنسيون الذين كان نابليون قد أحضرهم معه لدراسة مصر في كل المناحي، فنهضت مصر نهضة كبري وصارت دولة عظمي في سنوات قليلة.
وربما كان هذا النموذج أصلح النظم للعالم العربي والعالم الإسلامي، فيكون الحاكم مسلماً، ولو رياء ورءاء، ثم يستعين بذوي الخبرة من أي جنس أو دين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.