أحرص دائماً على التعرف على الرأي والرأي الآخر في السياسة السودانية في ظل الحريات المتاحة، حيث يستطيع الآن أي سوداني أن يعبر عن رأيه صراحة دون خوف أو تردد، فعندما جاءت مايو عام 1969م على صهوة جواد اليسار بعد أن ضيق البرلمان عليه منابر التعبير، لم يطق أهل اليسار الرأي الآخر الذي يتعارض مع توجهاته وأجندته التي لا تعرف الحريات العامة طريقاً مع قادة الأحزاب وصناع الاستقلال، فنقلوا إلى السجون وحبسوا بعيداً عن الأنظار، فكان منهم من قضى نحبه مثل الزعيم الأزهري أحد أهم صناع الاستقلال، والإمام الشهيد الهادي المهدي الذي طورد واغتيل «ومشوا في جنازته فيما بعد»، والشهيد محمد صالح عمر، عليهم جميعاً شآبيب الرحمة والمغفرة. هذا كان موقف اليسار من العمل السياسي والأحزاب عندما آلت إليه السلطة الانقلابية عام 1969م، والحاضر لا يختلف عن الماضي إلا في أن الحاضر احدث تحولاً ديمقراطياً بالدستور والقانون، وفتح الأبواب واسعة للممارسة الديمقراطية، فقامت الأحزاب السياسية وصدرت الصحف، ويتمتع الآن جميع أهل السودان بالحريات، ولا أقول كاملة لأن الكمال لله وحده، فلا مصادرة للحقوق ولا مصادرة للمؤسسات الصحفية التي قيل عنها آنذاك «إن الصحف صارت تأخذ من الشعب بدلاً من أن تعطيه !؟» ولا أدري ماذا أخذت الصحف قبل تأميمها من الشعب، وعلى اليسار اليوم أن يوضح لنا بعد مضي أربعين عاماً من تأمين الصحافة سر هذه العبارة التي أممت بموجبها الصحافة السودانية لأول مرة في عهدهم وبأيديهم. واليوم يضع أحزاب اليسار واليمين أيديهم على أيدي الحركة الشعبية قبل وبعد الاستفتاء والانفصال، وتأمر على الشعب السوداني بما عرف بتحالف جوبا والأجندة السرية والتسريبات الجنائية وشهادات الزور وتحريض الأمريكان واليهود، استناداً على الأجندات الخاصة... إذن أهل اليسار بتحالفهم مع الحركة الشعبية هم الذين قادوا الأمور صوب الانفصال وتقليص مساحة السودان، وهم الذين أشعلوا نيران الحرب بعد الانفصال في جبال النوبة والنيل الأزرق بل ودارفور، على مبدأ عليَّ وعلى أعدائي، وهم في سبيل إسقاط النظام، كما يصرحون بذلك وهو نظام ديمقراطي كما يشهد بذلك كل العالم ماعدا قبائل اليسار، وهي مواقف بعيدة كل البعد عن المواطنة والوطنية، يعلمون استناداً إلى «الغاية تبرر الوسيلة» فالغاية هي الوصول إلى السلطة، والوسيلة هي حصان طراودة «الحركة الشعبية دماء الشهداء..» تفتيت وحدة السودان تجويع الشعب، غزو أمريكي إسرائيلي، المهم الوصول إلى السلطة بأي شكل من الإشكال، ولو كان ذلك على شلالات دماء أبناء السودان أو على أشلاء السودان كله. واليسار ساند الحركة الشعبية في جميع مواقفها وخططها الرامية للانفصال، وظل كذلك ومازال يتخذ ذات الموقف .. وبمواجهة بسيطة لمخرجات الصحف والأعمدة والمقالات يتضح ذلك لأي إنسان عادي، ولننظر لقضية جنوب كردفان، فمن كان يساند الحلو ومن ظل حتى الآن يصرح بأنه سانده ووقف معه في الانتخابات.. ومن هو الذي يجير ما جرى في جنوب كردفان من عدوان وتمرد على القانون لصالح ما يُسمى «قطاع الشمال».. وما هو قطاع الشمال وإلى أى لون حزب ينتمي هؤلاء وعلى رأسهم ياسر عرمان؟ أعتقد أن الأمر الآن واضح وضوح الشمس ولا يحتاج لمصباح ديوجين للكشف عنه في اليسار.. فكيف تقف مع المستعمر لتفتيت وحدة البلاد وفي ذات الوقت تريد أن تقول للرأي العام إن المؤتمر الوطني هو الذي قاد البلاد نحو الانفصال، والشعب يعرف كل شيء عما قام به المؤتمر الوطني من جهود وما قدمه من تنازلات لكي يجعل الوحدة أولوية و «جاذبة»، ولكن الحركة ومن معها كانت الامور واضحة بالنسبة لهم.. انفصال ولا شيء غيره، وخلق جنوب جديد صرح به عرمان في ندوة مركز الدراسات الإفريقية في رمضان الماضي بالقاهرة، بحضور كل عناصر اليسار الهاربة على رأسهم الحاج وراق.. ومعلوم أن عرمان يساري حتى النخاع وينفذ أجندة اليسار بكل حرفية.