تتبخر في الهواء الأحاديث التي تزدحم بها كثير من مجالس السياسة، بأن هناك تغييراً حكومياً وشيكاً يطرق الأبواب حتى كلَّ متنه .. وطفق كثير من المحللين والكتاب والمشتغلين بالسياسة يملأون المسمع بما يقال في هذا الصدد، دون أن يتأكد على وجه الدقة موعد هذا التعديل الوزاري المرتقب.. وساعد الحوار الذي ابتدأه السيد رئيس الجمهورية مع قيادات الأحزاب السياسية المعارضة وبعد لقائه بالسيد الصادق المهدي في التعجل بالحديث عن التغييرات الوزارية. وحسب الإفادات والارتشاحات والتسريبات من مظان ومصادر موثوق فيها، فإن أي تعديل وزاري لن يتم في القريب العاجل وربما يتأخر إلى عيد الأضحى أو في نهاية السنة وبداية عام جديد. وبالرغم من أن لجاناً عديدة داخل المؤتمر الوطني تكونت بعد توجيهات من قيادة الدولة والحزب، بوضع قوائم للترشيحات وتحديد معايير ومواصفات وتحديد عدد كبير من الأسماء المرشحة، إلا أنه لم تعقد حتى هذه اللحظة أية اجتماعات على مستوى رفيع في مواقع صنع القرار لإقرار التعديل الوزاري أو حتى عقد العزم على إنفاذه. فإذا كان كل ما يُقال مجرد تكهنات وتهيؤات، فإنه لا بد من التسليم بأن كل شيء يمكن أن يحدث في سياقاته الموضوعية، خاصة إذا شعر الحزب الحاكم بأنه بالفعل يريد إحداث تغيير ما وامتصاص تململ قطاعات كبيرة داخل صفوفه وخارجها من بقاء وجوه وشخوص لسنوات طويلة في مقاعد السلطة، وأعطوا كل ما عندهم وحان الوقت ليفسحوا المجال لغيرهم. وإذا أحس المؤتمر الوطني بأنه يسبح ضد تيار التغيير، فالأجدر به أن يصوب وجهته، وهذا ليس بعسير عليه، فأكثر من مسؤول من قمة هرم الدولة والحزب يتحدثون هذه الأيام عن أهمية امتخاض درب جديد وتلبية الرغبات المعبر عنها بقوة وسط القواعد وضخ الدماء الجديدة في جسد الدولة والحزب بعد أن اشتعل الرأس شيباً ووهن العظم. فليس من خيار غير بناء أطر جديدة للعمل التنفيذي والسياسي وإنشاء تحالفات فاعلة ونشدان أداء حكومي خلاق بدلاً من هذه التوليفة الحكومية التي قدمت كل ما عندها ولم تعد قادرة على فعل شيء جديد، فالأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية أخذت بتلابيب البلاد ولم تعد هناك حلول معقولة غير البحث عن سياسات ومناهج وأفكار ووجوه تعبر بنا هذه المرحلة. لكن الذي نلمسه ونحسه، أنه لا جديد على الإطلاق، وسيلد الجبل فأراً إذا تمخض، فليست هناك نية كما قالت التسريبات والارتشاح الضئيل للمعلومات لإحداث ثورة كبرى في الجهاز التنفيذي وإطاحة وجوه ورموز والإتيان بأخرى!! فالمؤتمر الوطني لم يحدد حتى هذه اللحظة خياراته، هل يريد توسيع مظلة تحالفاته السياسية أو تبديلها، وإدخال قوى سياسية أخرى في إطار توافقات جديدة، وحتى في حال وجود تحديد من هذا النوع، لن يدفع ولن يكون قادراً على دفع وتحمل كل تكلفة تحالفات باهظة الثمن ليسيل بها لعاب الحلفاء الجدد، فهو لن يتخلى عن أنصبته السلطوية الحيوية ومفاصل الحكم لقادمين جدد تكون على حسابه، كما أن أي حليف جديد يلهث لولوج الحلبة لن يكون متلهفاً لفتات ملقى على طرف المائدة. وغير خافٍ بالطبع أن تكاليف المشاركة من طرف القوى السياسية المعارضة التي يظن مجرد ظن أنها ستدخل القالب الحكومي، تتساوى في المقدار والاتجاه، مع حسابات الإشراك للآخرين عند المؤتمر الوطني.. فلكلٍ قراءاته ونظراته. وجملة التعقيدات التي تكتنف ولادة الحكومة الجديدة، ربما تجعل المؤتمر الوطني غير راغب البتة في تكرار نفسه ولعب الكرة في خانته وداخل ملعبه بأقدامه فقط.. فلماذا يقدم على تغيير حكومة إن لم يضمن أنها ستكون ذات فائدة وعائد سياسي كبير يجعله منتفخ الأوداج والجيوب!!