دعوتى تلك ليست من أجل قطع الارزاق فهى كما نعلم اشد من قطع الاعناق، ولكن أن تتسبب بعض الاشياء المعايشة فى قطع الأعمار وترويع المواطنين وتفشي جملة من سلبيات المجتمع، يحتم علينا أن نرفع الأقلام لنعكس تلك السلبيات ولو كان ذلك يؤثر على البعض ولا يرضاه، فمنذ بداية الانقاذ بثوراتها المتعددة التى شملت بعضها التعليمية والصحية وثورة الاتصالات والمواصلات، فقد حوت فى داخلها الركشات بوصفها وسيلة اقتصادية تناسب الوضع المعيشي الصعب آنذاك، ولعل الهمس مازال محفوظاً فى الذاكرة بأن إحدى ركائز الإنقاذ او مؤسسات الدولة بمسميات الاشخاص قد ابتدع هذا المشروع، وفى ضربة واحدة ربح ملايين الدولارات، ولا ننسى أن تمليك الركشات فى ذاك الوقت كان مربوطاً بأناس بعينهم، ومثلما شكلت قيادة المواتر السزوكي لبعضهم بلونها الاسود هاجساً فى الاحياء، كان «الموتر» بتلك المواصفات يعد اشارة واضحة للمارة واداة تنبيه واحتراز بأنك مراقب. ولا أنسى إطلاقاً ذلك الشاب «الايحايى» الذي كان مصدر قلق وتوتر لناس الحلة، وكل ما يعرف عنه بدراجته المميزة بأنه فى الأمن.. بس ياتو أمن ما عارفين.. حتى فوجئنا بعد زمن طويل بأنه مجرد مراسلة فى تلك المؤسسة الكبيرة، لكنه استغل بإجادة تقمصه للأدوار، خاصة أنه اكتسب خبرة فى طريقة الارعاب والهرش، وهو يعاصر مجموعة من أوكل لهم بعض المهام الأمنية والرقابية، فرأيته مرات يفك لوحات دراجته ويمر بنا بدونها، ويسأله حاج أحمد صديقه الوحيد فى الحلة عن سبب ذلك، فيجيب بخبث شديد: دى دواعي أمنية خليك فى خالك يا حاج!! وكما ذكرت فقد امتدت الظواهر بظهور الركشات وبأعداد كبيرة، وظلت تساهم بشكل كبير فى الحركة والتنقل داخل الأحياء وبمسافات محدودة. وخلال تلك الفترة حدث كثير من الحوادث المرورية، وأشهرها حادث الحاج يوسف المشهور عندما تسبب ثوب امرأة بالتفافه داخل الاطار في قطع رقبتها وفصل الرأس عن الجسم !! مما حدا بإدارة المرور إلى اتخاذ بعض الضوابط والقوانين لضمان سلامة الناقل والمنقول، ونجحت لحد ما في تقليل الحوادث التي تسببت فيها تلك الركشات، وذلك بالتهور غير المنطقى فى القيادة ومحاولة التخطى، اضف الى ان الركشة فى حد ذاتها وسيلة ينقصها الكثير من متطلبات السلامة، فهى مفتوحة الابواب وتحتاج لضبط وتوازن وبراعة فى قيادتها لوجود ثلاثة إطارات فقط فيها. وفى تقديري ليس كل من يقود سيارة يمكنه أن يقود ركشة ناهيك عن أن معظم الذين يقودون الركشات الآن ليست لديهم رخص!!! وتلاحظ ان بعضهم صغير جداً فى عمره مما يؤكد انه لم يبلغ السن التى تؤهله للحصول على رخصة القيادة، ونحن نعلم أن العمر الادنى لمنح الرخصة 18 عاماً. ولعل عمل الركشات فى التقاطعات وداخل الاحياء السكنية يجعل الرقابة الشرطية عليها معدومة تماماً، خاصه أن إخواننا فى شرطة المرور تتركز حملاتهم لضبط المخالفات فى أماكن بعينها حفظها السائق عن ظهر قلب، واصبح يغير المسار هروباً وتفادياً من تلك المطبات !! والأدهى والأمر من ذلك أن هناك بعض الشباب من دولة إفريقية معروف وجودها الكثيف فى السودان بدأوا بكميات كبيرة يمتهنون تلك المهنة المربحة، والواحد من عامل نظافة لسفرجى ومن سفرجى لحلاق، وفجأة يمتلك ركشة من حر ماله ويحقق ما يحلم به، فكثيرون منهم موجودون فى بعض الاحياء العريقة ويقودون تلك الركشات وبدون تصاريح او رخص او حتى كروت اقامة مؤقتة!! فهي كارثة حقيقية، فقد أصبحت الركشة من اكبر مقومات الجريمة، ونسمع ونتابع فى دفاتر الشرطة تلك الظاهرة المنتشرة وهى اختطاف الشنط من النساء المستخدمات للطريق.. وتخيل معى مدى الخوف والذعر الذى يحدث لتلك الفتاة عندما يمر بقربها اثنان من الشباب احدهم يقف فجأة ويمد يده ويختطف شنطة تلك الفتاة او جوالها حتى وان كانت تجرى محادثة به.. وتعددت الحوادث، وقد شاهدت بأم عينى فى تلك الليلة الحالكة الظلام إحدى الفتيات وهى تقف بشارع ابو روف القديم قبل التصليح والتعديل والانارة.. وما لفت انتباهى أن تلك الفتاة كانت تقف لوحدها غرب الشارع وتتحدث بالهاتف بصوت عالٍ وفجأة تمر أمامها ركشة وتقف فجأة امامها لتفاصل فى السعر، واظنها لم توافق على ما طلب، ليقفز صاحب الركشة من مركبته وينتزع الشنطة والموبايل منها بعنف ويهرب.. لم اتمالك نفسي وكذلك كل من رأى ذلك المنظر.. لنتحول فجأة للاتجاه الآخر ونطارد ذلك الشاب حتى دخل احد أزقة ابو روف.. فترك الركشة.. وبعد أن ابلغنا الشرطة وجدنا بداخلها العجب.. تخيل معى «عدد من الموبايلات وثلاث شنط نسائية بداخلها كريمات واقلام روج ومبالغ مالية ومستلزمات خاصة بالنساء.. وبعد بحث طويل بواسطة الشرطة يفاجأ الجميع بأن الركشة بداخلها «9» زجاجات عرقي، والمذهل أن الركشة مسروقة قبل ست ساعات!! فتلك لعمرى قمة العبث والفوضى والتراخى، فما يكتشف يومياً من جرائم بتلك الركشات يجعلنا لا نتهاون فى الدعوة لحسم تلك الظاهرة والتدقيق فى التصاريح والضوابط التى بموجبها يسمح لهؤلاء باستخدام تلك الركشة لتساعدهم فى المعيشة وتساعد المستخدم فى الوصول للمكان الذى يريد.. ولكن ان تكون الركشة هى الوسيلة السهلة والميسرة بوصفها أداة للجريمة، فذلك ما نرفضه.. أما إن حاولنا ان نطرح العبث والفوضى الاخلاقية فحدث ولا حرج.. فتجدهم فى الأزقة والفسحات داخل الاحياء ويجلس احدهم مع عشيقته ويدلى الستائر وكانه فى غرفة نوم، وتجد بعض القوادين منهم يأخذ العابثين ويقف بهم فى مكان بعيد عن الناس ويسدل لهم الستار غير القانونى، ويحاول ان يتظاهر بأن وقود الركشة قد نفد او بها عطل مفاجئ، وهو بذلك يؤمن لهم الطريق لقضاء حوائج سقوطهم الأخلاقي!! وكذلك نسمع الفوضى السمعية والازعاج.. ركشة مساحتها لا تزيد عن متر ونصف المتر طول وارتفاع، وتجد الواحد منهم يحمل فيها سماعة اشبه بسماعات الساون التى نراها فى المناسبات !!! وهاك اسمع «قنبلة.. اضربنى بمسدسك.. وحرامى القلوب»، وكانهم اجتمعوا على نغمة ولحن ومعنى واحد.. تلك هى السلبيات التى نشاهدها بوضوح فى واقعنا الحياتى اليومى، وتلك هى الحقائق التى تجعلنا نحرص على الوقفة الجادة عند تلك الدابة السرطانية الشيطانية، ولا نقسم بأن كل من امتلكها بذات الفجور والخلل، ولكن نؤكد أن السلبى فيها نسبته كبيرة وموجود ومنتشر.. ونثق فى أن البعض يحرص على الكسب الحلال ويعتبرها مصدراً للرزق الحلال، ونجد فيهم من يعطر مسمعنا بآيات الذكر الحكيم ونجد فيها من يقود بأدب واحترام ولا يجازف ولا يتخطى ولا يتهور.. فلنجعل الرسالة لهؤلاء العابثين تشديد الرقابة ونراجع ما يحملونه من رخص، ولابد من ان نلزمهم بدورات ولو محددة لقيادة الركشات.. ويجب ان نراقب المرتكزين فى الظلام فالإثم «ما خاف أن يطلع عليه الناس» وعلى اداريي المرور والشرطة المجتمعية مراجعة كثير من الضوابط وإحكام الرقابة لاكتشاف تلك السلبيات، وأنا أراهنكم على اكتشاف ما هو أخطر.. ولتكن دعوة «كشات الركشات» دعوة حق وفضيلة وسلامة وتقويم نرفعها بلا ضرر ولا ضرار.