حوار: روضة الحلاوي تصوير: متوكل البجاوي تنتظر الأوساط السياسية هذه الأيام وتراقب عن كثب إعلان التشكيل الوزاري الجديد بعد أن طُوي ملف مشاركة حزب الأمة القومي مع الحكومة بعدم المشاركة فيها.. «الإنتباهة» جلست للدكتور عبد الرحمن الغالي أحد قيادات الحزب في حوار وقفت فيه على الأسباب الجوهرية التي أدت لعدم مشاركة حزبه ونقاط الخلاف، وتناول د. الغالي الأسباب التي باعدت بين حزبه وبين الاتحادي وحالت دون توحيد قناة الحوار مع الوطني.. وتوقَّع د. الغالي أن يسقط النظام إثر حادث عرضي في الشارع لأن البلاد مهيأة لذلك، حتى قادة النظام يتوقعون ذلك على حد تعبيره، لما آلت إليه البلاد من وضع اقتصادي مزرٍ وأن ما يُنشر في الصحف ما هو إلا استهلاك سياسي ليس فيه أي نجاعة لمكافحة الأزمة، هذه وغيرها من القضايا تحدث فيها الغالي في هذه المساحة.. الوطني نعى المفاوضات بينكم.. ما هو موقفكم من هذا الحديث؟ ما حدث هو أننا وصلنا لنقاط اتفاق ونقاط اختلاف وصدر بيان مشترك بين الحزبين وليس من طرف واحد، وكذلك أصدر المكتب السياسي بالحزب بيانًا وضّح فيه هذا الموضوع للرأي العام، وأقول إن خلاصة الموقف في هذين البيانين بيان المكتب السياسي الذي وضّح وصول الحوار لنهايته وطي صفحة المشاركة في الحكومة واتجاه الحزب لتحقيق أجندة وطنية وخلق إجماع وطني حولها مع استمرار عمله بأن يتعاون في كل القضايا القومية مع كل القوى السياسية التي تتفق في الأجندة الوطنية.. وهذا ما تم بكل وضوح وبكل شفافية.. وحزب الأمة له موقف واضح أن هنالك أزمة وطنية ووضع برنامجًا من ست نقاط لعلاج هذه الأزمة وهي الأجندة الوطنية، وتحدث عن الآلية لتحقيق تلك النقاط الست وهي الحكومة القومية الانتقالية، وهذا ما تم الاختلاف حوله وموقف حزب الأمة واضح ويتفق مع ما كان يردِّده.. إذن يمكن أن نقول إن الوطني استعجل إنهاء هذه المفاوضات على هذا النحو معكم؟ أم هو قرار مشترك بينكما؟ ليس هناك عجلة... واللجان المشتركة رفعت تقارير بعد أن وصلت إلى نقاط اتفاق في قضايا محددة، وكذلك قضايا الاختلاف رُفعت لقيادة الحزبين، وأخيرًا تم الوصول إلى قناعة أن هناك نقاط خلاف حقيقية حالت دون إتمام الحوار... والحوار أخذ وقتاً كافيًا بل هو زمن طويل.. إذن ماهي نقاط الخلاف؟ البيان وضّح ذلك.. اختلافنا معهم حول مجمل رؤيتنا للأجندة الوطنية، والتفاصيل كثيرة حولها. ولكن ما هو جوهر الخلاف؟ هناك قضايا أساسية، لا يمكن الحديث عن المشاركة دون التوصل لاتفاق قومي حولها، والنقطة الأخرى أن المشاركة بعد أن يتم الاتفاق على هذه القضايا لابد أن تكون قومية بحكومة قومية جديدة وبمؤسسات جديدة، وحزب الأمة يريد وضعًا جديدًا وليس استمرار الوضع السابق لأن الوضع السابق لن يستطيع أن يحل الأزمات الحالية التي تواجه البلاد، فالحزب يتحدث عن مؤسسات جديدة، نريد تحويل دولة الحزب لدولة الوطنية، نريد مؤسسات جديدة مستقلة قومية ومحايدة، ونريد سياسات جديدة، وهي البرامج التي تحدّثنا عنها باسم الأجندة الوطنية. ماذا تقصد بالسياسات الجديدة؟ نريد دستورًا جديدًا بمواصفات معينة، وبآلية معينة، ونريد علاقة جديدة مع الجنوب بنقاط معينة، وكذلك نريد حلاً لإشكال دارفور بنقاط معينة، ونريد تحولاً ديمقراطيًا وحقوق إنسان وحرية فرد، ونريد علاجًا اقتصاديًا للأزمة الخانقة التي تحاصر البلاد بحل قومي معين، نريد خلق علاقة مع المجتمع الدولي على أسس معينة.. هل حوت نقاط الخلاف المناصب التنفيذية التي سوف تقدم لكم؟ لا.. أبداً، لم نصل لمستوى هذا الحديث عن مناصب أو وزارات، فالحزب يتحدث عن كيف يُحكم السودان وليس عمّن يحكم السودان، وهذه أهم النقاط التي تحدثنا عنها. البعض يرى أن حزبكم يناور.. يذهب للمعارضة فيقول أنا معكم وسوف أفاوض حول أجندتكم، وفي نفس الوقت يفاوض الوطني، مما أدى لأن يوصف موقف الحزب بالضبابي؟ أقول إن أوضح سلوك سياسي هو سلوك حزب الأمة لأنه يتحدث بأشياء واضحة ووثائق مكتوبة، وأوضحنا أن أزمة السودان كذا ولا تحل إلا بالحلول هذه، وكتبنا ذلك للحكومة والمعارضة، وأسأل: ماذا يستفيد حزب الأمة إذا كان لا يريد السلطة لنفسه؟ فإذا كنا نريد السلطة كان من الممكن أن تخضع المعارضة لفترة من الزمن ثم نشترك في السلطة، وعدم مشاركتنا في السلطة يؤكد مبدئيتنا في الحزب.. والتفاوض والحوار هو وسيلة من وسائل العمل السياسي، وكون الحزب يفاوض ويحاور فهذا ليس سراً ولا نستحي من ذلك، وكل القوى السياسية تفاوض الحكومة وتصل لاتفاقات ومن ثم مشاركة، وحتى الحركات التي تحمل السلاح تفاوض الحكومة في منابر كثيرة، وأعتقد أن الهجوم على الحزب هجوم غير منطقي وغير مبرَّر، وما يفعله حزب الأمة أقل بكثير مما تفعله القوى المدنية والعسكرية، ولكن في النهاية حزب الأمة يحتفظ بمصداقيته، ومبادئه وهي أن لديه قضايا وطنية لن يتنازل عنها، أما المرونة في الحوار فهذه تقتضيها أسباب كثيرة منها هشاشة الوضع السياسي في السودان، فنحن نخشى أن ينزلق إلى حافة الفوضى ونعمل ما في وسعنا لتجنُّب ذلك. انتم تعيبون الثنائية في الاتفاقيات والآن أنتم تفاوضون في الوطني بطريقة ثنائية.. لماذا قبلتم بذلك؟ نحن نعيب ثنائية الاتفاق وليس الحوار، فالحوار لابد أن يبدأ ثنائياً، ونحن نتحدث في قضايا قومية وليست ثنائية، لا نتحدث عن مصالح حزبية، بل نتحدث عن مصالح قومية، وحتى في تنفيذ الاتفاق نفسه نتحدث عن إشراك الجميع في ذلك.. لذلك نداء الوطن لم يكن اتفاقاً ثنائياً، وكذلك التراضي الوطني، وكذلك الحوار الحالي، فلو كانت ثنائية لأفضت من حيث الشكل لمشاركة حزب الأمة لوحده، ومن حيث الموضوع لتحديد مكاسب تخص الحزب. لماذا لم توحِّدوا قناة حواركم أنتم في الحزبين الكبيرين الأمة القومي والاتحاد الديمقراطي في حواركم مع الوطني؟ ما هو المانع؟ لكل حزب خصوصيته ورؤيته ولا يستطيع أي حزب أن يفرض شيئًا على الآخر، ونحن لا نفرض رؤيتنا على الآخرين بأي حال من الأحوال. ولكن الاتحادي والأمة دائماً في حالة ائتلاف في الحكومات الديمقراطية وحتى في معارضة مايو كنتم متفقين.. ما هو سبب البعد بين الحزبين؟ هل هناك اختلاف بين مواقفكم تجاه المؤتمر الوطني؟ لا أعتقد أن هنالك بُعدًا أكثر مما كان في فترة مايو وعهد عبود، فقد ظلت العلاقة بين الحزبين في كثير من الأوقات يحتفظ كل حزب برؤيته وحرية حركته وهما حزبان مختلفان ولنا أطروحات مختلفة ولنا رؤى سياسية مختلفة، وأنا لا أعتقد أننا أبعد مما كنا عليه في مايو.. صحيح أنه في الفترات الديمقراطية هناك مقتضيات بحكم الوزن الجماهيري للائتلاف في الحكومة، ونحن قوى سياسية يحترم بعضها بعضًا وفي بعض الأحيان يجمعنا عمل قومي ونحن ساعون للتنسيق مع كل القوى السياسية وعلى رأسها الحزب الاتحادي. الحزب يعاني من ترهُّل وتشققات وهذه إشكالية كبرى أقعدته عن القيام بدوره الوطني؟ هذا الحديث غير صحيح، هو حزب سياسي له دستور يعترف به الجميع وله مؤسسات معروفة بأسمائها وأعضائها، وهذه المؤسسات لها مهامها المعروفة، هناك قدر من الاتفاق على المؤسسية فيه، وهذا الحديث ينطبق على حزب الأمة في كل الولايات، فإذا سميتِ أي حزب سياسي سوداني وقارنته بحزب الأمة فستجدين أن حزب الأمة هو النموذج، إذا كان الحزب الحاكم المؤتمر الوطني وإذا كانت الحركة الشعبية وبكل موضوعية أستطيع أن أتحدث الآن لأي مسؤول في أي ولاية بصفته.. أما إذا كنت تتحدثين عن نقاط الخلاف داخل الحزب فنحن حزب كبير ويحوي أعدادًا ضخمة من السودانيين في مناطق مختلفة بخلفيات مختلفة وفئات عمرية مختلفة، فحزب بهذا الحجم لابد أن يكون فيه خلاف في وجهات النظر، فهذا الحراك والاختلاف ظاهرة حميدة وصحية طالما في النهاية الناس تأخذ قراراتها بواسطة مؤسساتهم وطالما هي الديمقراطية الآلية التي تصحِّح وتراقب الأوضاع الخاطئة وهناك انتخابات دورية، فإذا أخطأ فرد أو فشل في مهامه يستطيع الجهاز المعني أن يحاسبه ويُزيحه وأن يأتي بالآخر في منتهى السهولة، وكل الحزب مقتنع، الذين يريدون المشاركة والذين لا يريدونها أن المشاركة، فهم جميعًا يرون ءت المشاركة يجب أن تكون عبر الأجندة الوطنية المتفق عليها وبآلية الحكومة الانتقالية، هذا محل إجماع الطرفين، وإلا فلا مشاركة، لذلك الآن بعد أن رفض الحزب المشاركة لم يحدث انقسام في الحزب، وأعتقد أنه طالما أن هنالك آليات توفق بين الناس كلٌّ يعبِّر عن رأيه فلا أرى أن هنالك مشكلة في الحزب. إذا كان حديثك هذا صحيحاً فلماذا عجزتم عن طي ملف الخلاف مع مجموعة التيار العام حتى الآن؟ هذه المجموعة انشقت لأسباب تنظيمية، هم مجموعة كانت في فترة من الفترات في المؤتمر السادس لها وجود داخل الحزب، وجاء المؤتمر السابع وبإجراءات شفافة وهم شاركوا فيها كانوا هم أغلبية اللجان المحضِّرة للمؤتمر العام السابع، وكل الإجراءات التي تمت بعلمهم وموافقتهم وبالإجماع في اللجنة العليا، وجاءت مخرجات المؤتمر السابع بما لا يشتهون، ولكن أثناء المؤتمر شاركوا بكل الإجراءات، وحتى مرشحهم لمنصب الأمين العام بارك وهنأ الأمين العام بعد الفوز وحضر إلى آخر يوم في المؤتمر العام واقترح ترشيح أحد الأعضاء المسيحيين لدخول المكتب السياسي بدون انتخاب ووجد قبول وموافقة الهيئة المركزية، بمعنى أنه شارك في الهيئة المركزية الجديدة وأقرّها.. لذلك فإن الادعاء الذي يتحدثون عنه مردود عليهم بحكم دستور الحزب والوثائق، ونحن أصدرنا بيانات في مؤتمرات صحفية أن هذه الأشياء ليس لديها ما يسندها من الدستور والقانون... وكثير منهم اقتنع وعاد لحزب الأمة، والحزب في الفترة الأخيرة شهد عودات جماعية وهجرات إليه والآن من يتحدثون هذا الحديث هم أفراد. البعض يرى أن المعارضة منشقة وغير متحدة حتى ترفع صوتها وتقوم بتغييرات كإسقاط النظام.. ما تعليقك؟ في البدء النظام فشل سياسياً، وهذا لا شك فيه، فشل في النواحي الاقتصادية والسيادية والسياسية ووحدة البلاد وحرب دارفور إلى آخره، وفشل أدبيًا لأنه أتى ببرنامج وحكم «02» عامًا حكمًا مطلقًا ولم يستطع أن ينفِّذ هذا البرنامج وأن يحقق الوعود التي وعد بها الشعب السوداني، وينبغي إن كان هو حزبًا سياسيًا يحترم نفسه أن يقرّ بهذا الفشل ويجد طريقًا للخروج.. إسقاط النظام عملية تتحكم فيها أشياء كثيرة... هناك كثير من البلاد لم تُسقط النظام فيها المعارضة، فشل النظام نفسه هو سقوط، والسقوط الفعلي قد يأتي من أي حادث عرضي في الشارع، وأنا لا أستبعد أن يحدث ذلك في السودان.. الآن حتى قادة النظام لا يستبعدون ذلك.. النظام الآن مشكلته الأساسية مع المواطن العادي، لأن المواطن يعيش جحيمًا لا يصدَّق، وأنا شخصياً مراقب زيادة الأسعار فوجدتها شيئًا لا يصدِّقه عقل، ولا يمكن أن تمر هذه الأزمة دون أن تُحدث انفجارًا كبيرًا، ولذلك فإن من مسلمات حزب الأمة أن يجنِّب السودان ذلك الانفجار غير المحسوب، فإذا لم يسرع النظام بقبول الحلول التي اقترحتها المعارضة فسينفجر الوضع، لأن النظام حتى اللحظة ليست له رؤية للخروج من المأزق الاقتصادي، وما يعلن في الصحف هو للاستهلاك السياسي، ولكن ليس لها أي نجاعة في مكافحة الأزمة وليست هناك أي خطة حقيقية وواقعية للخروج من هذه الورطة، ولذلك هي مسألة وقت لانفجار الأوضاع إذا لم يتم تدارك ذلك.. من حيث المعارضة فإن وظيفتها أن تقوم وتبصِّر الشعب المعني بخطأ السياسات الحكومية وأن توضِّح البديل لهذه السياسات، وهذا العمل تقوم به المعارضة بكفاءة عالية، وهي توضح وتعرّي فشل السياسات وتقدِّم بدائل موضوعية في مجالات اقتصادية وسياسية واجتماعية، وتقوم بهذا العمل على شكل بيانات وندوات واجتماعات، والمهم الوصول للرأي العام في مختلف الأشكال، ولكن هذه الإجراءات العملية قد تعيقها عوائق بسبب المصادرة والمحاصرة، وأنا لا أبرئ الأحزاب السياسية من السلبيات، فإذا كان الحزب الحاكم الذي استأثر بالدولة وسخر إمكاناتها إلى الآن هناك انقسامات حادة حول القضايا الأساسية، وهناك غياب للمؤسسية وهناك تيارات حرب خرجت للعلن داخل النظام، وأصبح الوزير يتقاتل مع وكيل الوزارة في الصحف، وهذا يعني أنه ليست هناك جهة تضع سياسات تُنفَّذ وإنما صارت البلاد والحزب الحاكم إقطاعيات منفصلة وجزرًا معزولة، لذلك فإن الحديث عن ضعف المعارضة يجب ألا يُلهي الناس أو يصرف أنظارهم عن الضعف الشديد الذي يعاني منه الحزب الحاكم نفسه. ولكن ضعف المعارضة يكمن في قياداتها فهم غير قادرين على التضحية؟ الاعتقالات حصلت، والمصادرات، وليس لنا أي مصلحة في بقاء هذا النظام، وليس هناك مضرّة لم تحدث لنا فيه، ولكن السودان يجب أن يحمد الله أن به معارضة عاقلة تنظر لعواقب الأمور، لا نريد أن نبتدر عملية تكون نتيجتها تمزيق البلاد وتحوِّلها لصومال أخرى، لذلك يجب أن نعمل في اتجاه تقديم بديل يجنِّب البلاد الحرب الأهلية ولا أتحدث عن أن بقاء الإنقاذ فيه استقرار لأن بقاءها فيه ذهاب للجنوب وإنذار بذهاب جهات أخرى، لكن نحن في المعارضة نتدبّر أمرنا بحيث لا بد أن يحدث تغيير، هذا التغيير يشمل كما ذكرت المؤسسات والنظام وهذا لا يعني بالضرورة إقصاء كل الناس، ولكن يبقى من يحدِّد هذا الخيار كل الأطراف، وهذه هي الفترة الحرجة التي يوازن فيها السودانيون ما بين كلفة التغيير وكلفة كل خيار من الخيارات التي يمضون فيها.. والخلاصة أن المعارضة السودانية معارضة مسؤولة والبلاد الآن محتقنة، فإذا أردنا تغيير النظام بأي ثمن فإن العمل العسكري متاح والعمل الإرهابي متاح، وإثارة القلاقل والفتن متاحة، ولكن المعارضة نأت بنفسها عن هذه الأساليب لأن بها ضررًا كبيرًا على السودان واستفزاز الناس بمثل هذه الكلمات ليس من المصلحة بشيء، وفي النهاية النظام في السودان هشّ لدرجة لا تُصدَّق والخوف ليس على الإنقاذ وإنما على السودان.