لا شك ان قرار رفع الدعم عن المحروقات فى ظل الظروف الراهنة قرار شائك وله بالغ الحساسية لما له من انعكاسات سالبة على السلع الغذائية والوضع المعيشي.. خطورة القرار تبرز فى تداخله بين السياسة والاقتصاد بما ان للمؤتمر الوطنى شركاء فى الحكم ابرزهم «الحزب الاتحاد الديمقراطى الاصل» كان لزامًا عليه اشراكه فى كل شؤون الحكم بحكم الشراكة الموقعة بينهما مما حدا بالأخير إلى اتخاذ حزمة من التدابير اللازمة من بينها فض الشراكة مع المؤتمر الوطنى في حال مضى شريكه الأكبر في قرار الزيادة، خاصة أن زعيم الحزب محمد عثمان الميرغنى فى عدة تصريحات سابقة أشار إلى أن الشراكة مع الوطني ليست «رباطًا مقدسًا» ولوح الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بأنه يدرس حالياً فض شراكته مع الحكومة وحزب المؤتمر الوطني معلناً عن نفض يده عن قرار رفع الدعم عن الوقود والسلع ومحذرًا في الوقت ذاته من آثار كارثية وعواقب وخيمة للقرار المزمع، وأشار الحزب إلى ما وصفه بالتقتيل للمواطن السوداني، وأكد الميرغني أن حزبه لن يشارك في تلك القرارات التي تعمق الضائقة المعيشية للمواطنين على حد وصفه، واشار الميرغنى أنه لن يتحمل مسؤولية قرارات الحكومة، وبحسب مصدر مقرب من الميرغني أشار إلى أن اجتماع اللجنة التي شكلها الميرغني للبتّ في قرارات الحكومة والرد عليها وكان مقرراً أن يلتئم الاجتماع الذى تم إرجاؤه بسبب عضوية اللجنة، المح بوجود ململة داخل عضوية اللجنة مبينًا أن اتجاه الغالبية هو رفض تلك الزيادات على السلع لأن غالبية اعضاء الحزب الاتحادى ضد المشاركة فى هذا القرار، كما هناك قليلون مؤيدون وغالبيتهم من العناصر المشاركة فى السلطة، وأن الاجتماع المزمع عقده سيخرج برفض تلك القرارات الحكومية، ورجح أن اللجنة المعنية ربما تخرج بتوصيات وقرارات واضحة ترفض فيها تلك الإجراءات الحكومية وتنفض يدها عن المشاركة في السلطة التنفيذية باعتبار أن معظم قيادات وقواعد الحزب ضد تلك الزيادات ولن تكون شريكة فيها على حد تعبيره لأنها مسؤولية تاريخية امام الله والشعب السوداني، وقال إن اللجنة لا بد أن تسجل موقفاً وترفض تلك القرارات طالما أنها أُجيزت من قبل الحزب الحاكم وأصبحت أمراً واقعاً دون النظر لآراء القوى السياسية المشاركة في الحكومة. وبدوره رأى وزير الدولة السابق بالخارجية السفير نجيب الخير في حديثه ل «الإنتباهة» أن الحكومة سواء نفذت القرارات أم لم تنفذها سيان باعتبار أن تلك السياسات لا جدوى منها لمعالجة تردي الأوضاع الاقتصادية مبيناً أنَّ هناك آثاراً كارثية ستترتب على تلك السياسات وبدأت بالفعل تنعكس على المواطن في شكل الزيادات المخيفة على السلع، وبشأن ما ورد على لسان القيادي في المؤتمر الوطني مصطفى عثمان إسماعيل بأن الحكومة ستتسول حال عدم رفع الدعم نصح نجيب الخير الحكومة بأن تتسول هي بدلاً من أن يشحذ الشعب قائلاً الأكرم للحكومة أن تشحذ هي بدلاً من أن يشحذ شعبها، وشدد على أن الحل هو سياسي وسد المنافذ التى تنفق عليها الحكومة وعودة الديمقراطية من جديد، ونصح الحكومة بالإسراع في قيام انتخابات للخروج من تلك الضائقة الاقتصادية، ووافقه فى الرأى القيادى بالحزب الاتحادى الاصل وخازن اسرار الميرغنى، الأستاذ علي نايل الذي قال ل «الانتباهة» ان قرار الميرغنى بفض الشراكة مع الوطنى قرار صائب وسليم لأن الاتحادى ضد زيادة الاسعار الذى يتعارض مع مصلحة الشعب السودانى مشيرًا الى مدى الضرر الذى سيتعرض له الشعب حال تطبيق القرار واوضح نايل أن غالبية جماهير الاتحادى الديمقراطى بجميع قواعده ترحب بفض الشراكة مع الوطنى واصفًا مشاركة الحزب الاتحادى الديمقراطى بالديكورية والضعيفة ولا ارضية لها لأن مسؤولية الشريك تحتم اخذ رأي الطرف الآخر لكن لم يحدث هذا الشيء سيما بصدد قرارات زيادة الأسعار الذى سيلقي بظلاله سلبًا على الشارع العام، ووأضاف: كرؤية تحليلية نجد ان الشعب السودانى صابر بالرغم من احساسه بالالم والحاجة والجوع الذى يعتصره والمطالب التى لا قبل له بمواجهتها وهى ضروريات وليست كماليات، أضف إلى ذلك الزيادة المنتظرة، وذهب نايل الى ان اصحاب المصالح الخاصة داخل الحزب وهم اقلية يقفون ضد قرار الميرغنى بفض الشراكة، اما الكفة الأخرى فقد رجحت بضرورة فض الشراكة ولا تراجع عن هذا القرار. وفى السياق ذاته قال المحلل السياسى فتح الرحمن السيد إنه فى الآونة الاخيرة بدأت جماهير الاتحادى تتذمر من مواصلة حزبها المشوار والاستمرار فى مشاركة الوطنى الذى بدأ يتخبط من خلال سياساته على حد تعبيره حول كثير من قضايا الراهن السودانى الماثل علاوة على ذلك القضايا الداخلية التى استعصى حلها: «المنطقتين دارفور ابيي» اضافة الى القضايا العربية والاقليمية التى ظهرت مؤخرًا، جملة هذه المعطيات حدت بالشعب السودانى إلى فقد الثقة التامة بالحكومة وقراراتها، وأضاف أن مبدأ المشاركة نفسه انطلق من باب الإسهام فى وضع اسس وحلول لكل المنعطفات التى يمر بها السودان خاصة فى ظل فقد الثقة بالحكومة وعدم امكانية ان تؤمن على شعارات الإنقاذ وتوجهها الحضارى الذى تبنَّته لأن واقع الشعب السودانى مرير وهو يعانى شظف العيش ويتضور جوعًا وذابت الطبقة الوسطى التى كانت تمثل الميزان بين الطبقة الدنيا والعليا وصعدت العليا والمواطن يعيش فى فقر مُدقع بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، والحكومة «جات تكحلها عمتها»، وفى تقديرى لو بالفعل قرر الميرغنى فض الشراكة فإنه قرار سديد وجاء فى وقته والأخير له حنكة سياسية ولا يشق له غبار وأي خطوة او قرار له ابعاد ودراسة متعمقة بمنظوره السياسي.