مستشفى ود مدني الملكي، هذا الاسم الذي كان يحمله في عهد الاستعمار الإنجليزي، كان العمل فيه يبدأ من الساعة السادسة صباحاً إلى الثانية ظهراً للعمال والممرضين يعملون بنظام ثلاث ورديات، أما الأطباء فتبدأ الوردية في السابعة صباحاً وتنتهي في الثانية ظهراً ويتم باقي العمل بواسطة النوبتجيات. وكان كل عامل يحمل كرتاً وعند عبوره البوابة يُدخله في جهاز يحدد الزمن بالدقيقة والثواني ويُخصم التأخير من راتبه إلا للأعذار الشرعية «الموت والمرض». هذا الواقع كان في القرن الماضي وليس الآن، فواقع مستشفى ود مدني التعليمي يجعلك تظن أنك تبحث عن الموت أو أنه أحد سجون التعذيب، فالبيئة متردية والحشائش والأنقاض ومخلفات المستشفى هي السائدة، وعربات شفط آبار السايفون تعمل على مدار الساعة لأن هذا المستشفى صمِّم لعددية معينة، ولكن خدماته تشمل جميع الولايات الوسطى بدءًا من الدمازين حتى الفاو في ولاية القضارف فالمرضى الذين استطلعتهم «الإنتباهة» يشكون من أسراب البعوض التي تجعل المرافقين يهربون قبل ساعات الليل، أما الذين يبقون فهم من يكونون أقرباء من الدرجة الأولى، ووجهوا دعوة للوالي ووزير الصحة أن يبيتوا ليلة واحدة في مستشفى ود مدني، كما أنَّ المستشفى يعيش حالة من الظلام الدامس لضعف الإضاءة الليلية، فعنبر أبو سنون الذي شيد تخليداً لذكرى رجل البر والإحسان بابكر سالم أبوسنون وهو عنبر خاص يدفع المريض مبلغ «200» جنيه لليوم الواحد ولا توجد به إضاءة وتمت تغطية البئر التي توجد في مدخله بإطار مكيِّف، أما الغرف فيُكتب على مكيفات بعضها المكنة معطَّلة، فأين تذهب ميزانية هذا العنبر الخاص؟ أمَّا عنبر فائز ففي هذا العنبر تشعر بانعدام حقوق المريض في الحصول على خدمة صحية متكاملة على الرغم من وجود الأطباء والممرضين بصورة دائمة، فالمرضى مكدسون بواقع مريضين في السرير الواحد وكأنه مستشفى ميداني عسكري يستقبل مصابي العمليات الحربية، كما أن المرافقين يوجدون بأعداد كبيرة، ففي القرن الماضي كان يوم الزيارة للمستشفى هو يوم الأربعاء ولساعة واحدة، وكانت الميادين الخضراء والزهور، ويتم إحضار فرقة جاز البوليس للترفيه عن المرضى، وهي السمة الغالبة، أما الآن فتتم الزيارة على مدار الساعة بل أصبح العائد من زوار المرضى مصدرًا لتسيير المنصرفات اليومية، كما أن المريض يقوم أهله بحمله على نقالات تبرع بها خيرون، أما إذا حدث حادث مروري فتجد أن جميع قيادات المستشفى والوزارة وقد يأتي في بعض الأحيان الوالي ووزير الصحة والمعتمدون في محاولة لتجاوز آثار مثل هذه الحوادث. فواقع مستشفى ود مدني الذي أصبح الآن تحيط به الشوارع من كل جانب لا يمثل بيئة للعلاج، ومنظر الباعة المتجولين وظاهرة الذين يقومون بتأجير العناقريب للمرافقين ليلاً، بل شكت إحدى المرافقات ل«الإنتباهة» من زوار الليل الذين يقومون بسرقة الموبايلات، أما المبنى الإداري فيدل على أنه بعيد عن العمل الإداري ومدخله كمدخل الكهوف، كما أن العبارات التركية ما زالت في أذهان كثير من العاملين مثل الميترون والإجزخانة ويتحدثون عن حكيمباشى المستشفى الذي يؤدي وظيفته مدير المستشفى والمدير الإداري ومساعد المدير الإداري بحثاً عن هذا الزمن الجميل. واقع مستشفى ود مدني يحتاج إلى دارسة للبحث عن موقع آخر، فهذا الموقع وما يتم فيه من تشييد لمبانٍ جديدة إهدار للموارد لأنه صُمِّم لطاقة استيعابيَّة محددة والآن يعاني من تدهور في شبكة الصرف الصحي والروائح الكريهة وضعف أعمال النظافة، أما المخلفات الطبية فلم نرَ حتى الآن أي محرقة لهذه المخلفات إنما تُترك لقطط المستشفى، فعلاً وزارة الصحة بالولاية وضعت رؤية علمية لقيام مستشفى جديد لمدينة ود مدني وتحويل هذا المستشفى لحدائق عامة، فلا طائل من تشييد المباني في ظل عدم وجود شبكة صرف صحي لمدينة في حجم مدينة ود مدني، وحكومة الولاية تعلن في كثير من المحافل أنها ستكون العاصمة الطبية للسودان!!