إن الناظر لحال جل مؤسساتنا الصحية في طول البلاد وعرضها، لاشك انه قد يلاحظ حجم التردي المريع، الذي أصاب وأحال بيئة العمل فيها الى حضيض، ذلك لأن المعروف والشائع أن هذه المؤسسات هي العنوان الأوحد لمنح الصحة والعافية، والحقيقة التقريرية البحتة تقول: يذهب المريض لتلقي العلاج ليعود معافى إلى أهله، ولكن لعل لمؤسساتنا العلاجية السودانية أكثر من وظيفة عندما تجولت آخر لحظة داخل مستشفى إبراهيم مالك، الواقع بمنطقة الصحافة شرق مربع 36 بالخرطوم للتأكد من صحة ما يقال عنه بل أصبح معروفاً وراسخاً في الأذهان باسم إبراهيم (هالك) وإبراهيم (موت) وبعبارة (الدَّاخل إليه مفقود! والخارج منه مولود) فالمستشفى من بره(هلا هلا) ومن جوه يعلم اللَّه، وعرفت واقتنعت من خلال الجولة التي استمرت أكثر من 5 ساعات، بأن لهذا المستشفى أكثر من وظيفة، وأن الموت الزؤام سيكون في إنتظارالدَّاخل إليها فإلى مشاهد هذه الجولة التي كشفت الكثير والمثير بل المحزن والغريب. مشهد أول هل تصدق عزيزي القاريء لاتوجد منذ فترةٍ طويلةٍ عربة إسعاف واحدة بالمستشفى!! الذي يستقبل أعدادًا كبيرةً من المرضى، وأن هناك حالات لا تتحمل الإنتظار لحين الاتصال بالمركز وغيره من الجهات لمد المستشفى بعربة إسعاف في ظل البيروقراطية والإجراءات العقيمة والمعقدة، وقال: شاهد عيان بأن أحد المرضى قد فارق الحياة بسبب عدم وجود عربة إسعاف حيث كانت حالته تستدعي إنقاذه بأسرع ما يمكن، والسؤال الذي يطرح نفسه: أين أنت يا وزير الصحة وأركان حربك؟ كما لاحظت الصحيفة وجود كرسي واحد متحرك للمرضى وعلمت بأن أحد الأطباء قد تبرع به مؤخرًا، لتخفيف معاناة المرضى، وذويهم، وان هذا الحال أيضاً إستمر طويلاً دون وجود كرسي واحد. مشهد ثاني شاهدت الصحيفة بأم عينها عدم وجود روشتات «مروسة» باسم المستشفى منذ عدة شهور، فالأطباء يلجأون لكتابة الوصفات الطبية للمرضى لشرائها من الصيدليات خارج المستشفى في قصاصات صغيرة، من الورق بالحوادث والعيادات المحولة والمرضى داخل العنابر، وقد كان بعض مرافقي المرضى في حالة من التزمت والتضجر والهيجان، لمعاناتهم وترددهم ما بين الصيدلية خارج المستشفى، وللكشف لعدم صرف العلاجات ومطالبتهم بإحضار روشتة مروسة خاصةً، وان هناك بعض الأدوية الحساسة لايمكن صرفها دون روشتة مروسة قائلين: من المفترض أن تقوم وزارة الصحة بتوفيره! وكانوا يرددون(الجابنا لإبراهيم هالك شنو؟) عازين هذا التردي للانفلات والخلل الإداري الكبير، دون حسيب أو رقيب، وأضاف آخرون وزارة الصحة (البحاسبها منو؟) كل ذلك ينعكس على المواطن المسكين المغلوب على أمره. وزادوا البشوف المستشفى من بره ما يشوفه من جوه. مشهد ثالث اشتكى المرافقون والمرضى من عدم وجود كوادر طبية، من ممرضين وسسترات، وانهم يظلون في حالة بحث وجري هنا وهناك للبحث عن ممرض لتركيب الدِّرب، أو فك القسطرة، وغيرها إضافةً لوجود فراغ كبير بين تسليم الورديات قائلين: (الكل يعمل على كيفو) بل قيام البعض من المرافقين بنظافة جروح مرضاهم، بالاضافة لانعدام الشاش داخل المستشفى، وحكت إحدى المرافقات عن معاناتها في الحصول على قطعة شاش لنظافة جرح المريض، وظلت تبحث داخل المستشفى لمدة يوم كامل. مشيرين لإهمال ملفات المرضى، وعدم وجود سرية، فكل مرافق يدخل غرفة السسترات لأخذ ملفه بطريقته. مشهد رابع أما قسم الحوادث، فحدث ولا حرج، المباني متصدعة يبدو أنها لم تخضع لعملية صيانة منذ تأسيسها!! والأطباء يجلسون على كراسي عبارة عن (بنابر) بدون «ظهرية» لمدة 24 ساعة وأمامهم قصاصات الورق لكتابة الوصفات الطبية، أما إنتظار المرضى والمرافقين بالعيادة المحولة، عبارة عن عريشة من الزنك، وبجوارها «حفرة» من الأوساخ من الناحية الغربية. ويتصببون عرقاً داخل غرفة السسترات وهي بدون إنارة، والمروحة معطلة، بجانب وجود فرن للتعقيم معطل مشهد خامس بعض أقسام الجراحة ليس بها نواب اختصاصيين، واستراحة الطبيبات بدون (ملايات). ودورات المياه باستراحة الأطباء حدث ولا حرج بجانب إنعدام معظم أنواع المسكنات الضرورية بصيدلية المستشفى. والنقص الحاد ببنك الدم من الصفائح والبلازما وغيرها، ودورات المياه العاملة عددها ثلاثة فقط والبقية معطلة! وبدون ماء وماسورة ناهيك عن القاذورات، فالأطباء يعملون في ظل ظروف بيئية سيئة ومتردية وامكانيات غير موجودة أصلاً ، وبصمت وصبر بجانب مساعدتهم للمرضى، وتوجيههم بطريقة انسانية وأن عدد الأطباء بالحوادث أكثر من عدد الكراسي «البنابر» فالعيادة المحولة تعمل ورديتين، ولا توجد غرفة إنتظار وقال المواطنون بأن ما يزيد(الطين بله) الإتجاه السائد بنقل مستشفى الذَّرة الى إبراهيم مالك مبدِّين تخوفهم من تفشي المزيد من الأمراض والتردي البيئي. مشهد سادس قال المرافقون من المفترض أن تكون هناك خارطة طريق توضح للمرضى، مشيرين لمعاناتهم مع مرضاهم، وزادوا أن المستشفى يحتاج لإعادة تأهيل خاصةً وأن بنياته التحتية جيدة فيجب إغلاقه لتأهيله، واشتكوا من عدم وجود ممرضين بعد الساعة الثامنة مساء والساعة 2 ظهرًا، كما لا توجد عناية مكثفة إطلاقاً بالمستشفى، وانعدام للنقالات، ومواد النظافة، والفحوصات الأساسية والمهمة، مشيرين للعشوائية في التعامل مع الأنقاض، ومخلفات النفايات الطبية، ولجوء بعض اللجان الشعبية لاستخدام هذه الأنقاض في الردميات داخل الحي مما أدى لمعاناة المواطنين من إنبعاث الروائح الكريهة، مع أول قطرة من أمطار هذا العام.