في خضم الأحداث السياسية والاقتصادية الجارية في البلاد وما نتج عنها من ردود أفعال واسعة النطاق خاصة فيما يتعلق بسياسة رفع الدعم عن المحروقات وتحذيرات بعض الأطراف من آثارها المحتملة على المواطنين دفع التيار الإصلاحي داخل المؤتمر الوطني بمذكرة للرئيس البشير حوت صياغة لرؤية برنامج إصلاحي بغرض التداول الحزبي الداخلي حوله. وبحسب «الإنتباهة» فإن المذكرة شملت إجراءات عملية لتوحيد الإرادة الوطنية وإنهاء النزاعات المسلحة، فضلاً عن تعزيز الثقة بين الحكومة والجمهور وتهيئة الساحة لانتخابات حرة نزيهة. وشدَّدت المذكرة على أن أي إصلاح اقتصادي ناجح لا بد أن يسبقه إصلاح سياسي شامل، وطالبت بالاستعانة بخبراء اقتصاد من غير اعتبار لانتماءاتهم السياسية لوضع خريطة طريق إسعافية تتجاوز المنظور الضيق الذي يختزل الحل في رفع الدعم عن المحروقات. وأشارت المذكرة إلى ضرورة أن تتحمل الدولة مسؤوليتها الأخلاقية تجاه الفئات الضعيفة. والمتابع للأوضاع داخل الوطني يجد أنه لم تكن هذه هي المرة الاولى التي يخرج فيها تيار الإصلاح في الوطني بمذكرة يمكن تصنيفها على أساس أنها احتجاجية لمجريات الأوضاع داخل الحزب، فقد دفع قادة التيار من قبل بمذكرات أحدثت ردود أفعال واسعة داخل الحزب وخارجه خاصة فيما يتعلق بالموقف السياسي والاقتصادي والموقف من الأداء العام للحزب على خلفية التداعيات الناتجة من إصرار ورفض الأحزاب السياسية وأحزاب المعارضة لسياسات الحزب الحاكم. فيما أشار البعض إلى الظروف التي تخرج فيها المذكرات الإصلاحية والتي تعطيها الشهرة والقوة الفارضة بخلق مساحة يمكن أن تتمدَّد عليها على خلفية الرأي والرأي الآخر المرفوض من قبل المؤتمر الوطني الحزب الحاكم. ويحسب بعض المراقبين لجناح الرفض أنه استطاع أن يقنع الحزب بإتاحة السانحة للآخر وضرورة توسيع قاعدة المشاركة حتى من الأحزاب الأخرى، وفي ذلك قد أسفرت المذكرات عن لقاءات كثيفة قادها حزب المؤتمر الوطني مع الأحزاب السياسية الأخرى واستطاع أن يصل معها لتفاهمات أدت لمشاركة بعضها في الحكومة والتي بصدد تشكيلها هذه الأيام بعد أن قطعت مشاورات الوطني والأحزاب شوطاً كبيراً. بيد أن المذكرة الراهنة للإصلاحيين داخل الوطني جاءت في ظروف حسبها البعض بالمفصلية في الوقت الذي تواجه فيه البلاد صراعات البقاء والحفاظ على عافية الاقتصاد. وأشار البعض إلى أن الوطني دأبت ساحته دومًا في مثل هذه الظروف أن تشهد مذكرة احتجاجية من الجناح الإصلاحي فيه، وطالب بعض المتابعين الجناح الإصلاحي داخل الوطني باتخاذ خطوات ذات أثر أكبر من التي قاموا بها وذلك لدرء الوطن من الآثار المترتبة على سياسات حزبهم الرافضة للرأي الآخر، ويشير هؤلاء إلى أن قرب هذا الجناح الرافض من دوائر القرار داخل الحزب الحاكم يمكِّنهم من لعب دور أكبر أثراً مما يجري اليوم. فيما يرى البعض أن ظهور المذكرة الجديدة في هذا التوقيت تحديداً يأتي لإكسابها الصبغة التأييدية الأوسع داخل المؤتمر الوطني وخارجه، وتشير هذه الأطراف إلى أن الوقت الراهن وتحدياته الماثلة من شأنهما خلق أجواء الشهرة المناسبة لهذه المذكرة فيما ما زالت ردود أفعال وأصداء سياسة رفع الدعم تستحوذ على مجريات الساحة، والتي تسعى الحكومة إلى اعتمادها لتجنيب خزينة الاقتصاد المآلات الاقتصادية السيئة التي تمر بها، في وقت ظلت تشير فيه بعض الاتجاهات إلى أن الخطوة الواجبة الاتباع هي سياسة الترشيد الحكومي بتقليل الإنفاق وتقليص الظل الإداري الأمر الذي يرفضه المؤتمر الوطني. بيد أن من ينظر لتلك المخرجات يجد أن المسافة بين آخر مذكرة دُفعت للساحة من تيار الإصلاح داخل الوطني والمذكرة الراهنة هو اقتسامهما للظروف المواتية التي يمر بها الحزب وذلك يعطيها الشهرة المطلوبة لكسبها أشواق التيار الغالب من الشعب وأعضاء المؤتمر الناقمين على السياسات المتبعة. ومن قبل دفع الدكتور غازي صلاح الدين بمذكرة شبيهة لإصلاح حال الوطني من الداخل. وغازي يُعتبر من القادة المجاهرين برأيهم داخل الحزب الحاكم. وقال وقتها القيادي بالمؤتمر الشعبي د. أبو بكر عبد الرازق عن مبادرة غازي صلاح الدين في حديث خص به «الإنتباهة» إنه لم يستبعد صحة المبادرة، وعزا ذلك لما أسماه بالأحوال التي تكتنف غازي وعلاقته بحزبه خاصة، أن الأفكار التي يجهر بها لا تجد الرضا في حزبه تبدو أقرب لأطروحات الشعبي، ومضى أبوبكر أكثر حينما ظل يدعو غازي لاتخاذ قرار جريء بمغادرة الوطني وتشكيل حزب جديد إن رأى أن ذلك أمرٌ مقدور عليه، ولم تبرر مذكرة غازي وقتها جديته لدى البعض برؤيته لإصلاح المؤتمر الوطني رغم دفعه بتلك المذكرة، ويقول هؤلاء إن المؤتمر الوطني ليس لديه الرغبة في إرجاء أي قرار اتخذه بشأن الأوضاع السياسية في البلاد حتى ولو أدى ذلك إلى خروج هؤلاء الأعضاء عن ساحة الحزب. ويربط المراقبون ذلك بتصريحات قادة الحزب التحذيرية لكل أعضاء المؤتمر الوطني. ويقول الدكتور نافع علي نافع نائب رئيس الحزب في تصريحات له محذراً إن كل من يخرج عن الحزب سيندم ويأكله الذئب مؤكداً أنه ليس للأفراد حق فرض آرائهم على الحزب أو على الدولة مهما كانت الظروف، وأشار نافع بذلك إلى أن من خرج من عضوية الوطني لم يجنوا غير البوار.