تحاول ولاية الخرطوم أمس كما جاء في لقاء صحفي للوالي د. عبد الرحمن أحمد الخضر، وهي تطرح حزمة من التحوطات والتدابير معالجة وامتصاص آثار القرارات الاقتصادية الأخيرة التي اتّخذتها الحكومة الاتحادية ورفعت الدعم عن المحروقات، وتتلخَّص خطَّة الولاية في عدة محاور أساسيَّة تتعلَّق بالدعم الاجتماعي وترتيبات لتخفيف الأثر على تكلفة المواصلات لتلافي أي زيادة في تعرفتها والمحافظة على التعرفة كما هي أو بزيادات طفيفة، والعمل على استقرار أسعار السلع الأساسيَّة وتسهيل مهمَّة الأسر في تعليم أبنائها وزيادة المرتبات للعاملين وحقوق المعاشيين وتوسعة مظلة التأمين الصحي وتوفير الدواء والعلاج المجاني والاستفادة من كل البرامج التي تؤدي لزيادة الإنتاج ودعم القطاعات الإنتاجيَّة.. وتوفير الأمن الغذائي وفرص العمل.. معروف أنَّه في أي أوضاع اقتصاديَّة تنشأ لمعالجة حالات الاختلال في الميزانية لأي دولة، يتم اتخاذ إجراءات تقشفيَّة صارمة ويُرفع الدعم عن السلع، تلجأ الحكومات إلى اتّخاذ تدابير ومعالجات سريعة لتخفيف وطأة ما يُتخذ من قرارات، تمسّ بشكل مباشر الحياة المعيشيَّة وتزيد من الأسعار وتجعل الحياة قاسية لا تُطاق، فالحكومات تلجأ إلى طرح حِزم للأمان الاجتماعي وتطرح معالجات تعزِّز من وظيفة الدولة ومسؤوليَّتها تجاه الشرائح الضعيفة في المجتمع.. صحيح أنَّ الحكومة الاتحاديَّة لم تترك مجالاً لمجتهد واتَّخذت ما تراه من سياسات اقتصاديَّة، جعلت من كل الولايات ومن بينها ولاية الخرطوم تبحث عن حلول سريعة حتى لا تقع الطامَّة على رأسها.. ولاية الخرطوم هي الجهة الأولى في البلاد التي تتحمَّل الضغط الأكبر من آثار هذه السياسات الاقتصاديَّة وتقع على عاتقها مسؤوليات كبيرة بعاصمة قومية تتركَّز فيها كتلة سكانيَّة هي الأكبر في البلاد تمثل أكبر حجم للاستهلاك والاستخدام للسلع التي رُفع عنها الدعم خاصَّة المحروقات، ويوجد غالب النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي و تفاعلات حركة الجماهير تدور داخلها حيث القطاعات الواعية المسيَّسة من عامَّة الشعب والقوى السياسيَّة التي تمثل مفاعلات التحرُّكات الشعبيَّة وجماعات الرفض.. من الطبيعي أن تسعى حكومة ولاية الخرطوم للخروج بأقل الخسائر من الموقف الذي لا تُحسد عليه حيث وضعتها الحكومة الاتحاديَّة في عين العواصف والأنواء وتركتها تواجه نُذُر الشارع بكل فزعه وجزعه وغضبه.. وتُعتبر المعالجات التي طرحتها الولاية كما جاء في المؤتمر الصحفي للوالي عصر أمس، جديرة بالاهتمام لمعرفة ما إذا كانت ستنجح أم تزيد الطين بلة؟.. فالمسألة المؤرِّقة للغاية هي قضيَّة المواصلات ووسائل النقل بعد رفع الدعم عن الجازولين والبنزين بنسبة كبيرة للغاية لا سبيل لمواجهتها سوى رفع تعرفة المواصلات، وتطرح الولاية في هذا الجانب خمس نقاط منها الإبقاء على التعرفة كما هي مع زيادات في بعض الخطوط لا تتجاوز «25%»، ومنح الحافلات حافزًا نقديًا يغطِّي الفجوة، وإنشاء صندوق لدعم برامج المواصلات، والسعي نحو وسائل المواصلات ذات السعة الكبيرة والقطارات والترام في المستقبل.. وتعمل الولاية على تخصيص وسائل مواصلات وبصات خاصَّة بطلاب الجامعات وتحديد سعر بنصف القيمة لنقل التلاميذ والطلاب كما هو سارٍ منذ سنوات.. في مجال الأُسر الفقيرة ستتوسَّع دائرة المستفيدين من الدعم المباشر من «14.000» أسرة إلى «70.000» أسرة ورفع مبلغ الدعم إلى «150» جنيهًا يُسلَّم عبر نوافذ بنكيَّة ومنح ذوي الاحتياجات الخاصَّة بطاقات مجانيَّة للمواصلات وزيادة عدد المستفيدين من التأمين الصحي وتدشين هيئات لكفالة الأيتام ودعم الوجبات المدرسيَّة والجامعيَّة ورفع كفالة الطالب الجامعي من «75» جنيهًا إلى مائة جنيه، ومواصلة توزيع سلَّة قوت العاملين بعد زيادة مرتباتهم وتخصيص منافذ بيع السلع في المؤسَّسات الحكومية وإدخال خراف الأضحية في سلَّة قوت العاملين، ورفع رأس مال المؤسَّسة التعاونيَّة وإنشاء شركة تدابير لتوفير السِّلع كمبادرة من رجال أعمال الولاية، وفتح «374» منفذًا للبيع بالولاية إضافة لعربات البركة، والعمل على توفير الدواء وخدمات العلاج المجاني لبعض الحالات والحوادث والعمليَّات القيصريَّة وغير هذا من برامج التمويل الأصغر، وتشغيل الخريجين، مع تخفيض الإنفاق الحكومي والصرف العام، وضبط الأسواق ومراقبة السلع الفاسدة وتفعيل آليات حماية المستهلك.. ** هذه باختصار ملامح خطة ولاية الخرطوم، لكن تظل هناك أسئلة حول نجاعتها وجديَّة تنفيذها والآليَّات المنوط بها إنفاذها وجعلها واقعاً ملموسًا.. وتتحدَّث ولاية الخرطوم أنَّ كل هذه البرامج ستُموَّل من خارج ميزانيَّتها، من الأموال التي ستدفعُها لها وزارة الماليَّة الاتحاديَّة من عائدات رفع الدعم! فهل ستدفع الوزارة الاتحاديَّة لكل ولايات السُّودان إن خطت نفس الخطوة وأعدَّت خطَّة عاجلة كخطَّة الخرطوم؟ أم أنَّ القريب من العين قريب من القلب؟!