عدم تعامل الحكومة بالحسم المطلوب تجاه قضية أبيي وموقفها الرمادي تجاه هذه القضية سيزيد الأمور تعقيداً في ظل محاولاتها لتطبيع وتحسين العلاقات مع دولة الجنوب، ولكن يبدو أن الأمور ستعود إلى المربع الأول وسيكون الحديث عبر فوهة البندقية بعد الخطوة المستفزة التي قام بها دينكا نقوك وإجراء استفتاء أحادي من جانبهم في منطقة ليست لهم أصلاً بل هم مجرد وافدين لهذه المنطقة بعد الحرب التي شنتها قبيلة النوير عليهم في غابر الزمان، ولن تترك قبيلة المسيرية منطقة أبيي أرض الآباء والأجداد، وقد قال القيادي المسيري البارز الفريق مهدي بابو نمر خلال حديثه في ندوة أقامها منبر السلام العادل، قال لن نترك أبيي بالتي هي أحسن أو أخشن، وقد خبرت الحركة الشعبية قدرات فرسان المسيرية في القتال وسيبذلون الغالي والنفيس في سبيل الذود عن أرضهم وكل المؤشرات والدلائل تشير إلى تفاقم واستفحال هذه المشكلة، وهذا يلبي أجندة الدول المعادية للسودان واستغلال هذه الأزمة في إطار الكيد للسودان، كما أن موقف دولة الجنوب تجاه الاستفتاء الأحادي الذي قام به أبناء دينكا نقوك وعدم اتخاذها موقفاً حاسماً من هذا الأمر يثير الريبة والشك تجاه نواياها في هذه المنطقة، لذلك يجب على الحكومة السودانية ممارسة ضغط أكبر على حكومة الجنوب لحسم هذا الملف حتى ولو تضطر إلى إغلاق أنبوب النفط مرة أخرى، ومعلوم مدى حاجة الجنوب لعائدات النفط، كما يجب على الحكومة التعامل مع أزمة أبيي على أساس أنها أرض سودانية ولا تخص قبيلة المسيرية لوحدهم، كما أن مطالبة قيادات المسيرية للحكومة بإلغاء كل الاتفاقيات التي تخص منطقة أبيي مع دولة الجنوب ينذر بتصعيد خطير وتصبح الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات خاصة وأن الطرف الآخر من الدينكا يقف خلفه المدعو إدوارد لينو، ومعلوم مواقفه العدائية تجاه أهل المنطقة وموقفه من الحكومة السودانية، كما أن هذه القضية ستكون ورقة رابحة لأولاد قرنق بعد أن قام سلفا كير بإبعادهم من مفاصل اتخاذ القرار بحكومة الجنوب، وسيحاولون استثمار هذه الأزمة لإحراج سلفا كير وحكومته، وسنشهد خلال الأيام المقبلة بداية تصعيدهم الإعلامي والسياسي ومخاطبة المجتمع الدولي وإظهار دينكا نقوك بصورة المضطهدين والمحتاجين إلى عون المؤسسات الدولية وسيكونون أكثر سعادة إذا وصلت الأمور إلى حد المواجهة المسلحة بين المسيرية والدينكا حتى تكون هذه اللحظة بمثابة السانحة لهم في إيجاد المسوغ والمطالبة بتدخل القوات الدولية تحت بند الفصل السابع. لذلك يجب على أبناء المسيرية التعامل بحنكة ودراية مع هذه القضية وعدم الاستجابة لاستفزازاتهم المتكررة وتفويت الفرصة عليهم، كما يجب على الحكومة وضع الاستعدادات اللازمة على الأرض في المنطقة حتى تشعر قبيلة المسيرية بأن الحكومة تقوم بدورها كاملاً تجاههم وحتى لا يخالجهم إحساس أن هذه القضية قد دخلت ضمن المساومات السياسية، وإذا سيطر عليهم هذا الإحساس فبالتأكيد ستخرج الأمور عن نطاق السيطرة، وستتحول المنطقة برمتها إلى كرة من اللهب، وهذا ما يسعد أعداء الوطن، فهل فوتنا الفرصة عليهم قبل فوات الأوان.