شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالفيديو.. بشريات عودة الحياة لطبيعتها في أم درمان.. افتتاح مسجد جديد بأحد أحياء أم در العريقة والمئات من المواطنين يصلون فيه صلاة الجمعة    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ومن يماثل الشاعر صالح عبد السيد أبو صلاح؟!
نشر في الانتباهة يوم 14 - 11 - 2013

شاهدت حلقة تلفزيونية كان المستضاف فيها الفنان الناشئ محمد بدوي أبو صلاح «حفيد أبو صلاح». محمد كان قد ظهر منذ أن كان تلميذاً يافعاً في أجهزة الإعلام والفضائيات، وقد ظهرت موهبته المبكرة واضحة لا تخطئها عين. أما في الحلقة الأخيرة التي شاهدته فيها فقد شب عن الطوق ما شاء الله يعزف على العود ببراعة يحسد عليها. ولكنه ظهر بوصفه استنساخاً للفنان الراحل محمود عبد العزيز رحمه الله نفس الملامح والشبه والأداء بالصوت الأجش على طريقة محمود عبد العزيز. وأنا أقول له إن محمود عبد العزيز ظهر بطريقته المميزة التي أعجب بها الشباب وليس هناك محمود آخر، فعندما توفاه الله انقطعت صلاته بمعجبيه، وظل يطل عليهم من خلال تسجيلاته المختلفة المتعددة. وقد شاهدت عدداً من شباب الفنانين وقد تقمصوا شكل الفنان محمود عبد العزيز غناءً ومكياجاً و «لوك». كل هؤلاء هم نسخ مزيفة لمحمود عبد العزيز، وكان من الممكن أن يؤدوا تلك الأغاني مع الاحتفاظ بشخصياتهم، وكما قال الشعر الفيتوري:
الحجر الأسود مهما شع... غير الماس
ونصيحتي للفنان الناشئ محمد بدوي أبو صلاح أن يغني بصوته الذي وهبه له الله تعالى . فصوته في أصله ندي وريان ويتماشى مع طريقة عزفه على العود المميزة.
وكنت قد سعدت غاية السعادة يوماً وأنا أتسلم مسودة ديوان الشاعر المغفور له صالح عبد السيد «أبو صلاح» من نجله الاستاذ عبد المنعم ابو صلاح في جدة وهو يعبر لي عن رغبة أسرة الشاعر الكريمة في أن اقوم بكتابة مقدمة لديوانه الذى يزمعون نشره. ومصدر سعادتى أن هذا شرف عظيم لى أن اكتب مقدمة لشاعر فى قامة وشموخ أبو صلاح الذى يعادل وحده قبيلة كاملة من الشعراء والمبدعين.
إن رؤية شعر أبو صلاح والاطلاع على قصائده مجتمعة تتيح فرصة نادرة للغوص فى جمالياتها وبدائعها، ولقد تقمصتنى روح الفراشة وأنا اتنقل من زهرة إلى زهرة فارتوى من رحيق هذه الحديقة الشعرية الوارفة التى مزاجها من تسنيم.
يقول الأستاذ محمود أمين العالم:
العمل الشعرى بأكمله له دلالات أربع: دلالة لغوية ودلالة موسيقية ودلالة بلاغية ودلالة فنية، وهذه الدلالة الأخيرة «الفنية» هي فى الواقع الثمرة الحقيقية للتعبير.
وتتحقق هذه الدلالة الفنية بمقدار تحقق الارتباط الضروري بين هذه العناصر المكونة جميعاً لهذا العمل الشعري من كلمات وجمل ودلالات مختلفة.
هذه الصياغة أراحتنى جداً لأنها تتيح لى رؤية شعر أبو صلاح من خلال تلك الدلالات فى إطار بيئته وزمانه الذى ظهر فيه.
لقد امتلك الشاعر أبو صلاح ناصية البيان وخرج منها بمعادلة انتظمت جميع أشعاره.. تلك المعادلة التى حدد اركانها جون كوكتو قائلاً:
«الفن ليس طريقة معقدة لقول اشياء بسيطة، بل طريقة بسيطة لقول اشياء معقدة»، وليس هناك ابسط من هذه الكلمات التى قالها ابو صلاح فى قصيدته «جوهر صدر المحافل» حين يصيغ قانوناً أبدياً فى كلمات شعرية قليلة:
وبحر الشوق ما ليهو ساحل
كلمات قليلة إلا أن إيحاءاتها الشعرية والموسيقية تمسك ببعضها كبلاغ فلسفي... وهذا بالضبط ما قصده كوكتو عندما وصف الفن بأنه «طريقة بسيطة لقول اشياء معقدة». ولو تأملت فى مسيرة الأغنية السودانية ستجد أن ذات المعنى ورد ولكن بشكل معقد أفقده الكثير من إشراقاته الداخلية، فمثلاً فى أغنية «بتروح ما بترجع» للشاعر الراحل حسين عثمان منصور وغناء الفنان المرحوم أحمد المصطفى نجد:
وبحار أشواقنا الماليها قيف
والمعروف أن «القيف» ينتمي للنهر ولا ينتمى للبحر، ولكن الساحل هو الذي ينتمي الى البحر. ثم نجد في تعبير آخر:
والشوق يطول
ويطول
ما ليهو حد
ما ليهو قيف
وكلها لا تحمل تلك الطاقة الشعورية الداخلية مثل:
وبحر الشوق ما ليهو ساحل
تلك سمة رئيسة فى أشعار أبو صلاح.. التعبير الفنى الذى يكاد يصبح قولاً مأثوراً لإيجازه واحتوائه على طاقة شعورية كامنة للتعبير عن الفرح المطلق أو الحب المطلق .. التعبير عن قمة الشعور الأسمى.
ولكى نصل الى حقيقة تفرد أبو صلاح لا بد من معرفة الظروف التى صاغت بيانه الشعري... ففى تلك الأيام التى عاشها أبو صلاح .. كان هناك عدد من فحول الشعر وأساطينه امثال الشاعر ابراهيم العبادي ومحمد ود الرضي وسيد عبد العزيز وعبيد عبد الرحمن وعمر البنا وخليل فرح وأحمد حسين العمرابى ومحمد على عبد الله الأمي وغيرهم. وكانت الساحة لا تسلم قيادها إلا الى الذين يثبتون مقدرة فائقة فى الإبداع الشعري الغنائي. ووصلت إلى ما كان يسمى ب «المضاربة» وهي المنافسة فى اعلى درجاتها.
يقول الشاعر سيد عبد العزيز فى ذكريات مسجلة:
«فى سنة 1927م ودي الغنوة الأنا دخلت بيها المضاربة وكانت المناسبة انا كنت فى المضاربة الاولانية ما دخلت... أصدقائي أحمد عبد الرحيم العمري وعبيد عبد الرحمن ومصطفى بطران ومحمد الرضي دخلوا فى المضاربة دي . انا واحمد بنمشي بيوت الألعاب وعمر البنا كان الفنان، وأول ما عمر يقول اغنية من اغانى المضاربة القديمة احمد ينفعل ويتشاكل معاهم.. بعدين يوم من الأيام جابوا غنوة من صالح «ابو صلاح» بتقول:
فرع البان البرنع يقود
نظم أفكاري ولبسن عقود
فيها بيت بقول:
فرع البان المانع اللسان اغزر رمشك نشابو سان
انت تفوقي الحور الحسان وأنا كيف لا أغلب زملاى لسان
قام احمد «حسين العمرابي» قال لى لازم ترد للغنوة دى
قال لى لازم ترد عشان عندك فنانين، وفعلاً أنا فى الزمن داك كان عندي كرومة وناس بخيت عمر وناس عبد العال بريمة واحدين فى اب روف وواحدين فى الموردة وواحدين فى بري.
قمت عملت:
فرع البان المال بالزهور
أم دى الحياة وزينة الزهور
وقلت فيها:
يا الأماتو حور بنحر ليك العزال نحور
أما البفوق زملاه البحور دى حسبو نجم السدور
ما سجله الشاعر سيد عبد العزيز يدل على أن تلك الساحة كانت حامية.. ولا يثبت فى حلبتها الا جهابذة الشعراء، وقد تحكر الشاعر ابو صلاح فى وسطها فلم يزحزحه عن مكانته أحد، وذلك لقدرته الفائقة فى نظم القصيدة والتى امتلك بها زمام المبادرة فى كل مضاربة كانت.. إلى أن أعلنت الهدنة بين الشعراء وتمت المصالحة، ولكن الشاهد أن تلك المضاربة كان لها الفضل فى غربلة الساحة من أدعياء الشعر والإبداع ولم يبق الا الشعراء الكبار الذين ننهل من ابداعهم والذين صاغوا مزاجنا ووجداننا الفنى والشعرى.
وفى ذلك العصر كانت القصيدة ذات منهج وشكل معين، وأهم ما كان يميزها أنها كانت تعيش حياة غنائية.
ولم تكن وظيفة القصيدة أن تكتب لتقرأ.. بل كانت تكتب لتغنى، ولهذا جاءت فى شكل لا يصلح للقراءة والهمس، جاءت وهى تحمل موسيقاها الداخلية ولحنها المستتر. وكان على عباقرة الفن فى ذلك الوقت امثال كرومة وسرور أن يوصلوا ذلك للجمهور.
فمثلاً قصيدة مثل « لحظك الجراح» وهى تعد من درر ابو صلاح ... قصيدة «مغناة» ولا يمكن أن تكون قصيدة تصلح للالقاء الشعري ... لأن شكلها ومنهجها غنائي:
لحظك الجراح..
أذاى فيه
وفيه الطرب والراح ..
منايا زهرة الأفراح..
للقلوب شراح
مبتعد شى عجيب مسجون وعنده سراح
بيا ضاق الكون
لا أجد لو براح منى فارق وشال نوم عيوني وراح
عمرى أضحى مباح فى الغرام لا اقصد غير لقاك أرتاح
وهكذا...
كما إن الطاقة النغمية المنتشرة على نطاق مثل هذا الغناء نجدها تثير فى الشاعر نفسه وفى شعراء آخرين الرغبة فى مجاراتها على نحو ما
فنجد أبو صلاح يأتى بمثل هذا التنغيم الشعري في قصيدة أخرى تقول كلماتها:
الطريف الشايل سيف رمش جراح
نما فى در الفاطر والمسك والراح
جفني مالك ساهر وين منامك راح
شوقي يصبح زايد وجدي ماله براح
يا بليب طيبة يا الهزار الفاح
ليك أصير متشكر لو تعيرني جناح
وقد طرق الشاعر سيد عبد العزيز هذه المعانى فى قصيدته التى مطلعها:
مسوا نوركم وشوفوا
المن جبينها صباح
الصباح إن لاح
لا فايدة فى المصباح
الى أن يقول فى شىء يشبه وقع الحافر على الحافر
اشتكيت للقمري
لو يعيرني جناح
ويستمر هذا النغم الآسر يشد أشعار الشعراء فنجد فى قصيدة أخرى:
هات لينا صباح
يطلع الفجر
يخجل المصباح
....
الغرام شراح
للصدور لكن
للقلوب جراح
حبيبي ...
قالوا أهل الحب
في الزمان الراح
نشوة الأشواق
أحلى من الراح
وفى جميع الاشعار التى نبتت فى تلك البيئة الابداعية نجد أن المعانى قد تتكرر فى قصيدة واحدة او فى عدة قصائد ولكن بتشكيل مختلف ... وهذا فى منظور الدراسات البنيوية تعتبر «بنى مفتوحة متوازية ذات طبيعية تكرارية تكمن وظيفتها فى تكثيف التجربة الشعورية او الرؤية الجوهرية فى القصيدة»
ويعتبر «بارت» أن الأدب او فى هذا المجال الشعر الغنائي يحيل بعضه الى بعض ويحاكى بعضه بعضاً ويرجعه فى عملية اجترارية متصلة فمثلاً تجد عند أبو صلاح:
خلى العيش حرام ما دام أرى الموت يحل
ما بين الرميش فوق الطريف الكحيل
أو:
طرفو سيف يتلامع قبال الوتر والقوس والنبال
لو يصادف شم الجبال باللحاظ فى الحال قلقلا
أو:
فوق الجمال وقلنا وصابنا رمش العين
شفنا السيوف تتجرد من عيون واسعين
أو:
إذا أدار لحظو على جبل دكالو
ولو بسم انزل دمع السحاب أبكالو
أو:
صابني سيف لحظك والطريف نعسان
ليك رشرش قاطع جندل الفرسان
أو:
من حيو السباع تنتر ومن رمشو السهم فاطر
سيف يسحب لي سيف لحظو وآخر بالسلاح غافر
ونجد عند أبو صلاح أيضاً:
حبك يمزج أعضاي إجمالي لو كنت يمين يهواك شمالي
ثم نجد:
حواسي تحسد نظري لحسنكم تطمين
وشمالي تاخدو الغيرة إذا جلست يمين
وفى ذلك العصر وفى تلك الحقبة التى نطلق عليها فترة حقيبة الفن، كان جميع الشعراء يتداولون مصطلحات محدودة وهى المناطق التى تثير الشعور بإحساس جمالى عند الشعراء، وذلك عندما يتطرقون لوصف المرأة.. كلمات مثل الطرف والخدود والوضيب «الشعر» الديس ويقصد به الشعر أيضاً والارداف والضمير والصدر او الصدير.. الكتف او الكتيف الرشرش.. العين المقل الفاطر.. الفاه الشفايف الخ هذه النقاط الملهبة للشعور... ويتكرر ورود هذه «الثيمات» فى العديد من القصائد بأشكال مختلفة ودرجات شعورية متفاوتة.. وهنا يأتى دور الغناء والموسيقى الداخلية للقصيدة لاستيعاب تلك المعانى المتكررة فى إحداث أثر وجدانى جديد.
لقد أخذ بعض المهتمين بدراسة هذه الحقبة على هذه القصائد وصفها الحسي الدقيق وعدوه عيباً ينقص من قدرها الفني.. لأنها حولت المرأة الى نقاط حسية ملتهبة تثير الشهوة ولا ترتفع الى شرفات السمو والطهر.. ولكن الذى يتمعن فى ذلك الشعر يجد أن الشعراء يلجأون الى الوصف الحسى ليصلوا الى قيمة عاطفية راقية ... أى تصوير الحب والصبابة تصويراً معنوياً يرتفع به من أرضية وصف العاطفة المجردة الى القيمة المطلقة، ويتجلى هذا فى معظم قصائد أبو صلاح.. فمثلاً:
شعرو حاكا الغيم حاجبو هلالو فر بسمو نغيم والبروق لالو
مافى مانع لو قتلي حلالو أفدي جوز تفاح صدرو لولالو
والوصف الحسى هنا يقود الى النزوع الى الاعلى الى الاكمل الى القبول بالموت الى الارتفاع للفداء ... وتلك قيم مطلقة.. وإذا رجعنا الى الشعر الجاهلى وكمثال توقفنا عند قول الاعشى:
هركولة فنق درم مرافقها
ثم
تمشى الهوينا كما يمشي الوجي الوحل
هذه صورة لامرأة لا تعيش إلا فى خيال الشاعر ولا توجد في دنيا الواقع .. اذ أن المعروف أن نساء الجاهلية ونسبة لنمط الحياة التي اعتدن عليها والتى تتطلب من المرأة أن تعمل وتتحرك وليس لديها وقت للراحة، كن نساء رشيقات القوام، رفيعات الأجسام ولا توجد بينهن الهركوكة الفنق الدرم مرافقها والتى تمشى الهوينا كما يمشى الوجى الوحل ... ولكن الشاعر كان يصور تلك الأشواق الى الصورة المثالية للمرأة، ذلك العنصر المفقود الذى يعيش حياة خاصة داخل قوافي وأوزان الشعراء، وكذلك نجد عند شعراء الحقيبة ذلك التصوير الفني الرفيع الذى يرسم شخصيات هى فى النهاية تجسيد بالكلمات للصورة المثلى للمرأة فى ذلك العصر.. كما فى «موفورة النفل» للشاعر محمد ود الرضى:
يا موفورة النفل الهيبة الكست الحفل
فيقول:
النافر نافر قدل يمشي خطوة الريل أو أقل
في الأرداف رم الجدل شفنا الجور والعدل
ومثل ذلك الوصف ولعدم وجود كميرات تصوير فيديو وفيديو كليب فإنه يقوم مقام تلك الكميرات التي تفعل فعلها في الفضائيات اليوم.
وأبو صلاح بوصفه شاعراً اعتاد أن يلتزم لزوم ما لا يلزم فى قصائده مدللاً على قدرته وسعة أدواته التعبيرية، فنجد فى كثير من الأحيان أن القافية تتكون من ثلاثة حروف بالإضافة لحرف الروي الذى تلقي فيه القافية بعض ترحالها.. فمثلاً فى أغنية «يا رشا يا كحيل» تجد الكوبليه الاول يعكس تلك القدرة الفائقة للشاعر أبو صلاح فتزدوج القافية فى صدر البيت وفى عجزه كالتالي:
يا الأمرضنى وما طباني فى خديدك يلوح نور رباني
نيران أشواقك لاهباني وسهام الحاظك ناشباني
ومن ضمن الحالة التاعباني مهضوم كشحك صدرك باني
يتهادى يميل خصرك باني
فنجد أن كلمة «باني» التى تتكون من ثلاثة حروف بالإضافة الى حرف الروي تتردد فى المقاطع السبعة التي ينتهي بها الكوبليه الاول، وكل كلمة لها دلالاتها اللغوية والموسيقية مثل:
طباني، رباني، لاهباني، ناشباني، التاعباني وباني. «لزوم ما لا يلزم».
إن لغة الشعر ومفرداته عند أبو صلاح لغة طيعة سلسة القياد تنتظم كل كلمة فى مكانها وكأنها قد وضعت له وحده.
وهذا التفرد فى القدرة الابداعية هو سمة من سمات أشعار أبو صلاح المتعددة الوجوه والاغراض حتى فى اشعاره فى «المديح» أو اشعاره التى كان يجاري فيها الشيخ عبد الرحيم البرعي أو ابن الفارض فى تناوله للدوبيت.. إنه يقيم علاقة جدلية بين الشكل والمضمون يكون ناتجها شعراً غنائياً رائعاً فى أعلى درجات الكمال الفني.
وهذه فقط اضاءة سريعة لشعر متفرد لشاعر متفرد امتلك ناصية هذا الفن، فترك بصماته الواضحة الى يومنا هذا، فاصبح إنتاجه الإبداعى صوت الفن الغنائي السوداني على مر العصور. ويحتاج الى دراسة أوسع تأخذ فى اعتبارها جماليات تلك القصائد مقارنة لها بالقصائد الشبيهة فى عصرها وتأثيراتها على فضاء الفن سابقاً ولاحقاً.
حاشية طريفة:
في القصيدة التي أشرت لها «يا رشا يا كحيل» هناك يختم الشاعر كوبليه بكلمة «يا بستاني» ولكن أحد المستمعين صاح مستنكراً: «يبوس تاني؟ هم في الأول خلوه يبوس ليه... عشان يجي يبوس تاني؟».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.