بات من المألوف أن تقوم الجبهة الثورية باعتداءات على مناطق متاخمة لمناطق وجودها بجنوب كردفان مهما كان قربها من مراكز أو بعُد عواصم تلك الولايات ومدنها؛ فقد اعتدت في أوقات قريبة على منطقتي «أب كرشولا وأم روابة» اللتين لا تبعدان سوى كيلومترات من أقرب منطقة عسكرية في الأبيض، فيما لم يتوقع أحد أن تقوم بتلك الخطوة. ولكن أن تتكرر تلك الاعتداءات أكثر من مرة بمناطق قريبة أو تحيط بالمناطق المخترَقة من قبل، إنما يدل على إصرار الجبهة الثورية، على تلك المناطق. وكان اعتداء آخر قد وقع صبيحة الأمس بمنطقة «أبوزبد» التي تقع بالقرب من الحدود مع ولاية شمال وجنوب كردفان في الجزء الشمال الشرقي من ولاية غرب كردفان، وهذه المنطقة شهدت تخومها الآونة الأخيرة، بحسب السكان، تحركات نشطة للحركات المسلحة والجبهة الثورية. وتأتي أسباب الهجوم وفقاً لما قاله مراقبون للأوضاع أن الهجوم يأتي على خلفية حديث الحكومة بالقضاء على كل الحركات المسلحة ورافضي السلام. إضافة إلى حديث السيد وزير الدفاع مؤخراً بعزم القوات المسلحة القضاء على كل أشكال التمرد بالبلاد بالسلاح رغم إعلان الحكومة نيتها الجلوس للتفاوض مع قيادات الجبهة الثورية أو قادة قطاع الشمال، في الوقت الذي يقوم به هؤلاء بزيارة إلى بعض الدول الأوربية وُصفت بأنها زيارة بحث عن دعم وتقوية صفوف، رغم أن الجبهة والحركات تقتات، بحسب متحدثين، على موائد خارجية. ولكن الدكتور والمحلل السياسي جمال رستم يقول ل«الإنتباهة» عن أسباب وتوقيتات هذا الهجوم على «أبوزبد» بأنه رد فعل للتحركات التي قاموا بها مؤخراً والدعم الذي وجدوه خاصة من إسرائيل وهذا كله يأتي للضغط على الحكومة، وقبله كرد فعل لحديث السيد وزير الدفاع بأن الجيش سيجعل الصيف ساخناً على الحركات المسلحة، وقال رستم إن الهجوم به رسالة للحكومة والجيش بأنهم موجودون ولذلك قاموا باستهداف منطقة في العمق. وتعتبر أبو زبد معبرًا أساسيًا ولها أهمية اقتصادية قصوى لسكان مناطق ولايات شمال وجنوب وغرب كردفان لما تتميز به من ثروات لها أثرها في دعم الواقع الاقتصادي، إضافة لذلك فهي منطقة تداخل مجتمعي لسكان تلك المناطق. ويرى د. جمال أن ذاك السعي إنما هو رسالة أيضاً للحكومة بأنهم يستطيعون أن يصلوا لأي مكان وممارسة المزيد من الضغط على الحكومة واستنزافها عسكرياً واقتصادياً خاصة أن الحكومة تعيش أزمة اقتصادية طاحنة، مطالباً بأهمية الوقوف مع القوات المسلحة وأن يكون هناك تدابير من قبل الحكومة لحماية المدن وتقوم بطمأنة المواطنين بأنها على قدر المسؤولية لتوفير الدعم والأمن لهم، وإنه لا بد من أن يكون هناك عمل حاسم للرد على هذه الأحداث. وأكد رستم أن استهداف القرى والمدن من قبل الجبهة الثورية سيستمر باعتبار أنها اليوم تقوم بما يعرف ب«حرب الاستنزاف» أو ما يعرف ب «اضرب واهرب». وطالب بأن يكون للدولة إجراءات قوية مستقبلاً وليس تحركات لدرء آثار الحرب كما حدث في أب كرشولا، إضافة لتوحيد الجبهة الداخلية ودعم القوات المسلحة. وحول أهمية أبوزبد بالنسبة لقادة الجبهة الثورية يقول رستم إن قادة الجبهة الثورية ظلوا يستخدمون الحرب النفسية بصورة أكبر من الحكومة وأنه لا بد من أن يكون هناك خطة للمستقبل ولأن السودان للجميع وحتى لا ترهق ميزانية الدولة مؤكداً أن استمرار استنزاف القرى والمدن يعطي رسالة سالبة اقتصادياً بإحجام المستثمرين عن الاستثمار في البلاد. ولكن الخبير الأمني حسن بيومي يرى من جانبه أن ما حدث له علاقة بإستراتيجية الحكومة المعلنة رغم أنها أعلنت نيتها في الحوار مع قادة الجبهة الثورية ولكن ما جرى من تصريحات يؤكد أنها ستقدم على ذلك من منطلق قوة، وقد أكدته القوات المسلحة، لذلك كله يرى بيومي أن الجبهة الثورية لديها وفود الآن تجري لقاءات بالخارج واتصالات وأنهم بذلك بؤكدون أنهم أيضاً سينطلقون من نفس توجه وفهم الحكومة وبالتالي يملكون هذه القوة بحسب رسالتهم. بينما ربط الخبير الأمني الأمين الحسن في حديثه ل«الإنتباهة» الحادثة بالحالة التي تدور في فلكها الحركات المسلحة ووضعية الجبهة الثورية بعد أن أحكمت الحكومة عليها الخناق، في وقت شددت فيه المعارضة من عزمها على إسقاط الحكومة بقوة السلاح. ويقول أمين إن الجبهة الثورية باعتمادها على السلاح ستضعف على نفسها احتمالية دخولها في اتفاقات جديدة مع الحكومة تقضي لها بالسلام والمشاركة في الحراك السياسي الدائر في البلاد، وقال إنهم الآن صاروا أعداءً بعد الخروقات الكثيرة والكبيرة التي ارتُكبت من جانبهم في حق الممتلكات العامة وممتلكات المواطنين في كل المناطق التي دخلوها بغتة. وذهب إلى أن محاولة الاستيلاء على ممتلكات المواطنين من قبل هذه القوات يحدد حجم المعاناة التي تعتريهم وأن الفرصة الآن مواتية لهم أيضاً لارتكاب جرم آخر يشبه سابقه إن لم ترعوِ الحكومة والاجهزة الأمنية المرابطة، مؤكداً أن غياب القانون والعمل به في بعض المناطق هو السبب الرئيس لحدوث هذه الخروقات الأمنية في مناطق شاسعة من ولايات السودان، وأضاف الحسن أن الحكومة بحاجة إلى رؤية إستراتيجية أمنية جديدة تستطيع من خلالها إحكام السيطرة على كل المناطق.