التسريبات القديمة للاتحادي الأصل في شأن المشاركة مع المؤتمر الوطني تتحدث عن مطالب حقيقية بأن تكون هناك مناصفة في حصة جهاز الأمن بهذه الحكومة بخلاف الحقائب الوزارية الأخرى، هذا ما قالته الزميلة «الرأي العام» على ذمة إفادات الشيخ حسن أبوسبيب.. لكن يبدو أن دولة المؤتمر الوطني تعاملت مع هذه المطالب بمزاجها الخاص واختزلت مشاركة الاتحاديين في حفنة من المناصب والوزارات البائسة فاتسعت قاعدة المناهضين لهذه المشاركة، إلا أن بركة «مولانا» أبقت على المشاركة رغم عللها ومنغصاتها وإحباطاتها ولكن الغاضبين بدأوا في مرحلة الانتفاض والخروج من عباءة «مولانا». تجفيف المنابع في جوبا استبق رئيس دولة الجنوب سلفا كير ميارديت الأيام الفائتة انعقاد المؤتمر العام للحركة الشعبية المرتقب بخطوة مباغتة حل بموجبها هياكل الحركة وتعيين عدد من كمبارس القصر الرئاسي بجوبا، والخطوة ذاتها فسرها البعض بأنها امتداد لفكر ونهج سياسي جديد شرع فيه سلفا مؤخرًا لتجفيف منابع ما يسمى بمشروع «السودان الجديد» ولكن آخرين يرون أن ما سلكه سلفا كير هو من اشتراطات واستحقاقات التسوية مع الخرطوم، وكانت الأخيرة أيضًا قد سبقت جوبا بخطوات وإجراءات مماثلة. حكاية مشروع «يتداعى» في الجزيرة يتداعى المشروع «الهرم» وتتعدد الأزمات ثم تتعمق وتتمدد والمشروع يصبح حكاية مؤلمة، والمشهد الأخير كما نقلته «الميديا» أن تقاوي القمح التي تم توزيعها للمزارعين «البؤساء» عبر بوابة البنك الزراعي ووزارة المتعافي استعصت على الإنبات وظلت باقية في جوف الأرض والمزارعون ينتظرون.. ثم ينتظرون ولكن البذور تأبى لأنها فاسدة ومفسدة فانطلقت الهواجس وتعالت الأصوات والنداءت لمن بيده القرار والمسوؤلية «والكرباج» ولكن لا أحد يستجيب، فالموسم في طريقه للفشل كما أن المشروع ذاته يتدحرج بعجلة متسارعة إلى الهاوية ومجالس السياسة والزراعة هناك تتحدث وتطالب بعبقرية جدية تحيل تقارير وتوصيات لجنة تاج السر إلى واقع جديد يتصالح مع أهل الجزيرة. الجبهات الثلاث ثلاث جبهات أساسية تشكل طبيعة المشهد المتشظي في بلادنا وتلقي بإسقاطات سالبة على الواقع الاقتصادي والمعيشي للمواطن «الحكومة والجبهة الثورية والمعارضة الداخلية والتي يصطلح عليها أحيانًا بتحالف المعارضة»، ولكن ما بين كل جبهة وأخرى سجال وحرب متعددة الأشكال والأنماط، والغريب في الأمر أن كل جبهة تتقاتل مكوناتها الداخلية في سبيل البقاء والنفوذ، فما بين الصادق المهدي وتحالف المعارضة ثقة مفقودة وحرب إعلامية مشتعلة وذلك على خلفية التصريحات التي اتهم فيها المهدي المعارضة بغياب الرؤية بعد أن أقرت الأخيرة التنسيق مع الجبهة الثورية والتي بدورها تعاني من وطأة الصراع بين العسكر والسياسة، أما الجبهة الثالثة التي ترسم ملامح المسرح السياسي السوداني فتتمثل في طبيعة الصراع بين مكونات الحكومة ومؤتمرها الوطني أبرزه الصراع مع الإصلاحيين. صراع حول «الدستور» أكثر من «60» منظمة مجتمع مدني تنشط الآن وبشكل كثيف لحشد إرادة وطنية جامعة لإقرار صناعة جديدة لدستور سوداني جديد عبر آلية «المبادرة السودانية لصناعة الدستور» التي بدأت فكرتها قبل حوالى أكثر من عامين وهي محاولة لتجاوز الوسائل والأدوات القديمة التي غابت فيها إرادة الجماهير حيث وُلدت من رحم الدولة السودانية «7» دساتير بعد مرحلة الانعتاق من المستعمر جادت بها عبقرية النخب السياسية والأنظمة الحاكمة ولكن صناع هذه المبادرة يحاولون الآن توسيع قاعدة المشاركة في صناعة الدستور غير أنه وفي ضفة أخرى تجري عملية صناعة أخرى باسم جبهة الدستور الإسلامي تتحالف فيما بينها في سبيل إقراره ولكنها أخذت من الفكر الإسلامي منهاجًا وطريقًا لبناء دستور إسلامي. وبطبيعة الحال فإن قناعات وثوابت كل من جماعة المبادرة السودانية وتحالف جبهة الدستور ربما يعني أن المسرح السوداني موعود بصراع محتدم بين الإسلاميين والآخرين مبعثه دستور الدولة السودانية. الاستفتاء المضاد الحكومة قالت إنها ستجري استفتاء أحاديًا في أبيي.. قد تعني هذه الخطوة إذا قُدِّر لها أن تتم اعترافًا صريحًا بالاستفتاء الذي أقامه دينكا نقوك لكن ليس من المنطق أن ترفض الحكومة هذا الأمر وتأتي بمثله، ولكن ربما استدركت الحكومة لاحقًا خطورة مثل هذا الإجراء فلجأت إلى خيارات وآليات أخرى لإجهاض استفتاء الدينكا أو تعطيله من بينها استنفار وتعبئة المسيرية والضغط على الاتحاد الإفريقي للعب دور إيجابي وفاعل في الخصوص، ولكن يبدو أن الحكومة لم ترسُ على رؤية حتى الآن لتجاوز مطبات أبيي، وكانت تقارير صحفية في بحر اليومين الماضيين قد أشارت الى أن هناك حالة تحشيد متوقعة من قبل المسيرية للتوجه إلى أبيي. الجرح النازف كم من الكرنفالات والاحتفالات وكم من الوثائق والعهود والعقود التي أُبرمت ما بين الحكومة والحركات المسلحة سواء عبر وسطاء أو دون وسطاء فانشغل الرأي العام المحلي والدولي زمنًا طويلاً ولا يزال منشغلاً بهذا الملف الدارفوري «الحائر». عاد القائد «دبجو» زعيم العدل والمساواة ونتمنى أن يكون عوده أحمد وبقلب مفتوح كما أكد في تصريحاته، فالشعب السوداني كله ينتظر ويحلم بأن يندمل الجرح النازف في دارفور وأن تتصالح الحكومة مع أهل دارفور وحركاتها وتصل معهم إلى تسوية سلمية وشاملة وحاسمة وتنتهي حالة الاستثناء التي يعانيها أهل دارفور نزوحًا وتشردًا ولجوءًا وفقرًا وحربًا. المتغير والثابت قطاع محدود من المجتمع السوداني هم أولئك الذين ينشغلون بعملية فك وتركيب هياكل الدولة وتبديل قياداتها فالحكومة منذ أكثر من 24 عامًا ظلت في حالة تغيير مستمر داخل منظومتها إلا أن الثابت الوحيد الذي لم يتغير هو حاجة كل مواطن سوداني إلى واقع اقتصادي ميسور وإلى حكومة تخفف عنه العناء والشقاء تهتم بضرورياته وتلبي رغباته وأشواقه. ولهذا فإن الحديث الذي يكثر الآن في الوسائط الإعلامية قد لا يعني الكثيرين في شيء لأن كل القادمين ليس بمقدورهم تغيير هذا البؤس بل إن القادم ربما كان أسوأ وأكثر بؤسًا. فوزير المالية أفلح بجدارة في زيادة مستوي الإحباط والاحتقان لدى كل سوداني حينما أعلن الأسبوع الماضي عن زيادات أخرى مرتقبة في المحروقات والأسعار في الموازنة الجديدة.