الأثنين الماضي كتبنا عن ضرورة عاجلة لإنشاء هيئة لمكافحة الارتجال (ربما كان الأوفق تسميتها »مفوضية مكافحة الارتجال«) ، إذ لا تخطئُ العين أن إنشاء مفوضية كهذه تغني الدولة عن إنشاء مفوضية مكافحة الفساد التي ظلت »في بطن أمها« أكثر من تسعة أشهر ، ولا نرى لها سبيلاً للخروج إلا بجراحة قيصرية .. و الارتجال ، والذي عرَّفناهُ بأنه (اصطناع الكلام »أو المواقف والأفعال« على غير منهج أو مثال) ، هو سلوكٌ ، حين يتصل بشؤون العباد أو سياسة أمر الناس ، كما تشهدهُ كثيرٌ من دواوين الخدمة العامَّة ، وكثيرٌ من مصادر القرار الإداري بل السياسي أحياناً ، فإنه يعني ببساطة ركل »المنهج« ، أي (القانون) جانباً ، و التصرف وفقاً لمعايير مزاجية ، توافق تقديرات المسؤول الخاصة (و هي تقديرات قد تكون متجردة و حكيمة أحياناً ، و قد تكون مخلصة ولكن غير حكيمة ، وقد تكون بإملاءٍ من مصالح شخصية أو فئوية أو قبّليَّة أو جهويَّة) بعيداً عن القوانين واللوائح والنظم الموجودة أصلاً ، وتأتي التبريرات لتجاوزاتٍ كهذه عادةً مُدَّعيةً تجاوز البيروقراطية ، أو »تبسيط الإجراءات« ، وكأنَّ تبسيط الإجراءات و مكافحة البيروقراطية أمران لا يمكن تحققهما في وجود القانون!!.. الارتجالُ يتجسدُ حياً في قضايا تناولناها في هذه المساحة ، ليس أوَّلها شأن المدير التنفيذي بمحلية أم درمان ، صاحب شهادات التسنين الأربع المختلفات ، بجانب شهادة الميلاد التي تكشفُ أن الرجُل ما شاء الله قد تخلَّص من أعباءِ سبع سنين من عمره المديد بإذن الله ، فراراً من الإحالة إلى التقاعد ، و الارتجالُ تجسد أيضاً في خطاب وزارة العمل إليه ، ذلك الخطاب المسكين الذي لا يحسن الإحالة إلى القانون ولا الإشارة إليه ، بل يرجُو بأدبٍ جم أن يتكرم سعادته بالتقاعُد ، وعفا الله عن السبع سنين التي سلفت!! .. والارتجالُ ، بلا شك ، يتجسد في تجاهُل خطاب وزارة العمل ، ويتجسد أكثر في »نسيان« وزارة العمل لخطابها المسكين ذاك ، و السكوت عن الكلام المباح!! و الارتجالُ يتجسد في ما تناولناهُ من شأن المواطن / بشير محمد احمد ، الذي طالع المُدَّعي العام مظلمتهُ إذ جاءهُ مخاصماً إليه رئيس المجلس التشريعي في الولاية التي ينتمي إليها ، فأخضع المدعي العام أوراق القضية إلى الفحص بواسطة لجنة من القانونيين الخبراء ، فأوصوا برفع الحصانة عن المدَّعَى عليه ، ليقوم وزير الدولة بالعدل حينها ، ودون الرجوع إلى المدَّعي العام ، المختص ، بإلغاء رفع الحصانة ، ليبقى المظلوم مظلوماً والظالمُ ظالماً !! أيُّ ارتجالٍ أفدح من هذا؟؟ والارتجال يذكُرُهُ القاريء في كثيرٍ من القضايا التي تناولناها في هذه المساحة ، ويأتينا دائماً ما يؤكدُ حقيقة الإرتجال ، ممثلاً في صمتٍ مطبقٍ من المعنيين والمخاطبين به من مسؤولين ، و آخرُ ما أدهشنا من ارتجالٍ ، إن صحت وقائعُهُ ، ما يحدثُ في محلية »الحصاحيصا« بولاية الجزيرة.. ولا ندري هل يكونُ قادة المحليات البعيدة أحرص على قراءة الصحافة من المحليات التي تقع على مرمى حجرٍ ، كمحلية أم درمان ، و إن كنا نظُنُّ أن محلية الحصاحيصا سوف تتكرم بإيضاح مسألة »سائقي التاكسي« وقضيتهم المثيرة للحيرة.. و سائقو التاكسي بمحلية الحصاحيصا يزعمون أن سلطات المحلية حرَّمت عليهم ما أحلَّهُ اللهُ و أحلَّهُ قانون المرور.. حرَّمت عليهم العمل بين محليات الولاية وأمرتهم بالالتزام فقط بالعمل داخل حدود المحلية .. ذهبوا بشكواهم إلى مدير الإدارة القانونية بولاية الجزيرة ، فأفتى ببطلان قرار سلطات المحلية ، و خاطب مدير عام شرطة الولاية ، الذي خاطب بدوره مدير شرطة محلية الحصاحيصا ، الذي أصدر بدوره خطاباً يؤكد حرية سائقي التاكسي في التنقل بين محليات الولاية .. ولكن .. بعث إلينا موفدون من نقابة سائقي التاكسي بالمحلية المعنية بصور لإيصالات غرامات مالية تعرضوا لها بعد كل الفتاوى أعلاه ، بسبب خروجهم من المحلية .. الذي يحيِّر : لماذا تخالف سلطات محلية الحصاحيصا نص القانون مخالفة صريحة؟؟ قال المتضررون : إن وراء ذلك مصالح جهةٍ ما .. فماذا تقول محلية الحصاحيصا؟؟