لقد كتب الأستاذ شاموق مؤرخاً عن ثورة أكتوبر وما صاحبها من أحداث وهو في بداية العشرينيات من عمره، وبأسلوب سلس ورفيع، عبَّر فيه عن كل مشاهد تلك الثورة الظافرة بلغة في غاية الروعة والتسلسل يجل عن النظير. وعندما يطلع المرء على ذلك الكتاب القيم (الثورة الظافرة)، يأسى على جيلنا المعاصر الذي لا يقرأ ولا يكتب، وإذا قرأ لأشحت بوجهك عنه لكثرة لحنه وتأتأته وإذا كتب لصفعت الذي كتب على وجهه، وطلبت منه أن يدخل الصف الأول الابتدائي من جديد. وأدهش جداً، لماذا يُغضُّ الطرف عن الأستاذ شاموق الذي عندما بدأ الكتابة وهو كان صغيراً في سنه وحديثاً في تجربته، لكنه كان فذاً وهرماً تتقاصر دونه همم الكتَّاب والرواة. ولو كنت مسؤولاً عن حصر الخبرات والكُتاب المشهورين في بلادنا، لما ترددت لأُهيئ مقراً للأستاذ شاموق ولمن هم في قامته، وأزودهم بجميع التسهيلات والتقانات استهدافاً للحصول على عصارة أفكارهم وتجاربهم، ومن ثم حمل هذا الجيل للجلوس في مقعد الدراسة أمامهم ليتعرفوا على كيف تكتب العبارة، وما هي طريقة ترتيب الجمل ورواية الأحداث. والأستاذ أحمد محمد شاموق يعتبر من أنفس ما حبانا الله به من مخزون ثقافي وفكري لكننا للأسف الشديد، انشغلنا عن أجيالنا فأصبح معظم شبابنا يكتب بمواقع التواصل الاجتماعي معانٍ وألفاظ لا تليق، مما يعكس مدى الانحطاط الفكري والتدهور اللغوي والسطحية في تناول القضايا والانحراف في مجال القيم والأخلاق. والبون الشاسع الذي يفصل بين أمثال شاموق وغيره من كُتابنا في الصحافة وغيرها من مساحات أصبحت واسعة لنشر المعرفة، هو ليس بوناً، لكنه كالفرق بين الجبال الشامخة والمنخفضات التي لا يبقى في أسفلها سوى غثاء السيل والمخلفات الملوثة لحياة الإنسان والحيوان، وذلك هو الذي يدعونا للقول دون تردد، ياحسرة على العباد. ولا أدري لماذا أصبح الأستاذ شاموق كأنه تاريخ لا يصلح لحاضر، على الرغم من أن الكثير من الذين يتطلعون للمناصب العليا بالدولة باسم شريحة الشباب لا يفقهون شيئاً ومنهم من بلغ سن الأربعين وتجاوزها، وعلى الأقل من الذي كان ينبغي إليهم معرفته بأن شاموق لو كان طالباً للوزارة أو المنصب لاستحقه بجدارة عندما أرَّخ عن ثورة أكتوبر بتلك الصيغة الرفيعة وهو لما بعد قد بلغ سن العشرين. وعلى الذين أصبح الهم الأوحد لديهم نيل منصب أو البحث عن وظيفة رفيعة، عليهم ألا يتطاولوا دون أن تمتلئ خزائن عقولهم بالمعلومات، أو على الأقل اكتساب الخبرة عن طريق القراءة والغوص في بطون الكتب للوقوف على تجارب الآخرين الذين قطفوا ثمار المعرفة وشغفوا حباً بها، وهي التي أهلتهم للريادة والقيادة، ذلك لأن الجاهل إذا نال منصباً، حرقه المنصب، والعالم إذا تولاه، زاده وهجاً، ونوراً يستضاء به عندما تدلهم على النَّاس الظلمات. والحديث عن الأستاذ أحمد شاموق، ليس حديثاً للتسلي والتلهي، لكنه قول بكلمات الحق والصدق نوجهها لمن يتولون مقاليد الأمور في بلادنا، منعاً للغفلة عن أرصدة ثمينة تحويها خزائننا الفكرية ومواعيننا التي لا تقل لمعاناً عن معدن الذهب والماس. وكم كانت خسارتنا جسيمة عندما لم تكن لدينا معايير للتقويم بناء عليها نقدر جهد الرجال، فينال المكانة من ليس لديه القدرة على ملء ما تقتضيه المكانة، ويُسند المنصب لشخص كل مؤهلاته أنه قد نال قدراً من الاستلطاف أو أصبح موضوعاً للأمر والنهي كالعبد المأمور الذي إذ سألته لماذا فعل ذلك، لقال لك إن الأوامر قد أتته من فلان أو علان. والأستاذ شاموق عندما تقرأ كتبه لا يساورك شك، بأنه صاحب إرادة فكرية وثقافية، عمل من أجل تأهيلها منذ أن بدأ العمل في حقل الكتابة فلا يستطيع أحد أن يوجهه مشرقاً ومغرباً، بل كان فكره هو الذي يحدد اتجاهات أشرعته، فظل على هذا النسق إلى يومنا هذا، وقد يكون هذا السبب هو الذي جعله بعيداً عن صياغة الحياة التي يتحكم فيها للأسف الشديد من هم يريدون تنفيذ أجنداتهم وليس أجندات الفكر والمعارف والعلوم. ورغم الذي تيسر لي من أسطر أكتب فيها شيئاً يسيراً عن شاموق، لكن العبارة وأي عبارة تعجز قاصرةً في توضيح ما يحيط بواقعه الذي يعبر عن زماننا هذا الذي استأسدت فيه القطط، وتعملق فيه من لا يشك أحد بأنه قزم من الأقزام.