من نعم الله علينا أنه يغمر حياتنا بالفرح بين كل فينة وأخرى ويُشفي صدور المؤمنين بهلاك الطغاة والجبابرة أو زوال ملكهم وهل من فرح يعدل مصرع القذافي غير هلاك قرنق الذي لم يمضِ على عودته «الظافرة» التي نزلت على الشهداء ورفاق الشهداء كما الصواعق والزلازل والبراكين أكثر من «12» يوماً ما انفكّ إخوانُهم الأحياء خلالها يرفعون أيديهم المتوضئة ويتبتّلون أن يأخذ عدوَّهم أخذ عزيزٍ مقتدر وهل من سرورٍ ملأ السماءَ والأرضَ يعدلُ ذلك الذي ملأ المآقي المؤمنة بدموع الفرح يوم هلك قرنق الذي جاءت به نيفاشا رغم أنف علي عبد الفتاح ومعز عبادي وعبد المنعم الطاهر ورفاقهم الأطهار وهل من حبور شعّ على جنبات الكون أكبر من سقوط القذافي ذلك الطاغية الذي أكاد أجزم أن فرعون موسى لم يبلغ مِعشار طغيانه وشرِّه؟! إنه عام الرحمات تتنزَّل على الأمة فيسقط الفراعنة واحداً تلو الآخر بين قتيلٍ وطريد وأقول للواهمين ممَّن لا يزالون يبكون عجل السامري أو قل على وحدة الدماء والدموع إنها ليست صدفة أن تحدث ثورات المساجد وتزلزل عروش الطغاة في نفس الأيام التي نحتفل فيها بانفصال الجنوب وعندما قال أحد الإخوة المصريين المشاركين في ندوة الثورات العربية التي أقامها منبر السلام العادل إن ثورة مصر تعويض عن انفصال الجنوب قلت له بل إن انفصال الجنوب هو جزءٌ من الثورات العربيَّة التي قضت على مشروع عزل السودان الشمالي من محيطه العربي والإسلامي من خلال مشروع السودان الجديد الذي يدعو إلى استئصال هُوية السودان الشمالي وإقامة مشروع إفريقاني علماني بديل يفعل بنا أكثر مما فُعل بالأندلس غداة اجتياح خيول الفونس لغرناطة. صحيح أن المشروع لم يمتْ تماماً وإنما ماتت خطتُه الأولى «أ» التي قضت بانفصال الجنوب وتبقى لنا أن نقبر الخطة «ب» التي بدأت بالحرب التي شنَّها الحلو وعقار في جنوب كردفان والنيل الأزرق والتي تحاول الحركة زرعها بالداخل من خلال إنشاء الحزب الذي قدَّمت أوراقه الآن لدى مجلس شؤون الأحزاب السياسية وهذه ستكون معركتنا القادمة إن شاء الله. نعود للقذافي ذلك الطاغية الذي لم يُؤذِ بلداً من البلدان كما آذى السودان هذا بالطبع إذا استثنينا الشعب الليبي الذي تُعتبر الأربعون عاماً التي جثم خلالها على أنفاسه فترة تيه شبيهة بتلك التي شهدها بنو إسرائيل عقب استبدالهم جرّاء قعودهم عن الجهاد: «إنا هاهنا قاعدون». أقول إنه ما من شعب ينبغي أن يحتفل بمصرع القذافي بعد الشعب الليبي غير الشعب السوداني، وليت الباحثين يكتبون عمّا كان سيكون عليه حال السودان لو لم يكن القذافي حاكماً على ليبيا بدءاً من تمرد قرنق الذي ما كان لتمرده أن يبلغ ما بلغ من القوة ويُحدث تأثيراً على مسيرة تاريخ السودان بما في ذلك قيام الانتفاضة على نميري ثم حكومة الصادق المهدي التي سقطت جرّاء تداعيات مشكلة الجنوب وانتصارات قرنق ومذكرة فتحي أحمد علي ثم قيام الإنقاذ وتمرد دارفور وغزو أم درمان وغير ذلك كثير بل إنه ما من صحيفة سودانية عانت من فرعون ليبيا ما عانته «الإنتباهة» التي شكا منها القذافي وأُغلقت جرّاء هجومها عليه. إن ذهاب القذافي يُعتبر نعمة كبرى للسودان ينبغي أن نحتفل بها ونُقيم صلوات الحمد والشكر وبالطّبع لم أتعرّض لما أحدثه القذافي من شرور اجتاحت العالم كما لم أتعرَّض لما أحدثه في ليبيا وبالشعب الليبي فقد وظَّف الرجل أموال ليبيا الترليونية في نزواته وأوهامه وجنونه وخلد اسمه في التاريخ كنموذج فريد للشرّ وسيكتب عنه العالم ويحكي كثيراً وحقَّ لكُتَّاب السودان ومؤرِّخيه أن يفعلوا!!