إذا كانت اللغة فيروساً فإن عدد المصابين بذلك الفيروس في جميع أنحاء العالم يفوق الأربعة بلايين نسمة وإن فيروس اللغات الصينية والإنجليزية والروسية والإسبانية والهندية يصيب أكثر من نصف سكان العالم وإذا أضفت لتلك اللغات مائة لغة أخرى فستجد أن نسبة الإصابة قد ارتفعت إلى أكثر من «95» بالمائة من سكان العالم. وهذا الفيروس اللغوي ينتقل عن طريق الكلام وبما أن الكلام فد ازداد في الآونة الأخيرة بفعل أدوات الاتصال والبث الإذاعي والمرئي والهاتف الجوال بمختلف اللغات فإنه من المتوقع أن يجد الفيروس اللغوي بيئة مناسبة للانتشار فينتشر على نطاق واسع. والملاحظ أن درجات الإصابة تختلف من شخص لآخر حسب تعرضه للناقل. فمثلاً العمال الآسيويون الذين يأتون لدول الخليج ينتقل إليهم ذلك الفيروس أول مجيئهم من زملائهم الذين سبقوهم في العمل وعادة يكون هذا الفيروس قد اختلط بفيروس لغة آسيوية فأنتج هجيناً له ملامح اللغة العربية ولكنة آسيوية واضحة وأحياناً ينتقل ذلك الفيروس بلكنته الآسيوية إلى أطفال الخليج عن طريق الخادمات الآسيويات. توجد في العالم اليوم حوالى «6000» لغة إلا أن أكثرها تأثيراً وانتشاراً لا يتعدى «600» لغة وهذه هي الفيروسات القوية والتي تساندها أجهزة إعلام توفر لها المناخ المناسب للانتشار إلا أن هناك لغات محصور تداولها في عدة أشخاص فمثلاً لغة الأنقوتا في إثيوبيا وحسب آخر إحصائية قامت بها كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن يتكلمها «19» شخصاً فقط وإن لغة الألمولو يتحدثها «6» أشخاص.. بينما كانت هناك لغة الجاقات والتي كان يتحدثها شخصان إلا أن أحد علماء اللغة أخرجهما من الغابة إلى المدينة ليسجل لغتهما تلك فأصابتهما نزلة برد حيث توفيا وانتهت بذلك لغة كاملة بعد أن انقرض حاملا فيروسها. وفي جمهورية لاتفيا كانت هناك اللغة الليفونية والتي كان يتحدثها عشرات الآلاف من سكان الجمهورية ولكن الهيمنة السوفيتية وفرض فيروس اللغة الروسية جعل تلك اللغة تتضاءل وينحصر عدد الذين يتخاطبون بها في عشرة أفراد فقط. ولكن بعد انفصال لاتفيا عن الاتحاد السوفيتي سارعت إلى فتح عدد من الفصول لتدريس اللغة استناداً إلى أفرادها العشرة الذين عُيِّنوا كلهم مدرسين لتلك اللغة. وقد لاحظ العلماء أن هناك كثيراً من اللغات ذات الفيروسات الضعيفة ستنقرض ولهذا اهتمت منظمة اليونسكو بهذا الأمر فأنشأت قسماً خاصاً لأبحاث اللغات ودراستها وتسجيلها حتى تحفظ للأجيال القادمة. وأول ملاحظة يمكن تسجيلها عن أي لغة في طريقها للانقراض عندما يتوقف الآباء والأمهات عن التحدث لأطفالهم بتلك اللغة ... وبما أن فيروس اللغة ينتقل كما قلنا بواسطة الكلام فإن الأطفال لا يلتقطونه وبذلك يقل عدد المتحدثين بتلك اللغة وينحصر في الأفراد المتقدمين في السن وتنقرض اللغة بموت هؤلاء فمن بين عشر لغات عند الإسكيمو هناك لغتان فقط متداولتان ومعنى هذا أنه بعد زمن ليس بالبعيد سيختفي ذلك النمط من التفكير الذي كانت تعبر عنه الثماني لغات الأخرى. فإذا أردت أن تتعلم لغة ما.. عرِّض نفسك للإصابة بفيروسها عن طريق الكلام. آخر الكلام ظهور في الأزمان القديمة.. بين مدرجات الجامعة كان قلبه يخفق كلما رآها.. فيعود إلى غرفته يسكب أشواقه ولهفته ولواعج حبه على أوراق كان يقتات على سطورها.. وبعد سنين قابلها.. وتصافحا.. «كالأصدقاء القدماء.. يسلمون في فتور.. يودعون في فتور».. قال لها: أبقي أظهري.. وهي كانت قد ظهرت لتوها. ضغط رفعوا ضغطه في البيت.. رفعوا ضغطه في المكتب.. رفعوا ضغطه في الشارع.. رفعوا ضغطه في خطوط الطيران.. رفعوا ضغطه في كل مكان. وأخيراً انفجرت شرايينه ومات.. وفي المقابر وهم يشيعونه إلى مثواه الأخير.. كانوا يتساءلون: المرحوم مات كيف؟ قرصان قرصاننا كان يحلم بالجزر المستحمة تحت الشمس، المستلقية على مدخل الخلجان المرجانية التي تطلب فيها الأسماك حق اللجوء السياسي. وعندما نفخت الرياح في أشرعة سفينته، ضرب أعالي البحار فتناقل الجميع أخباره التي نسجوها قبل أن يغادر المرفأ.. وعندما عاد كان قد فقد سفينته التي استولت عليها الزوابع غير أنه كان يحمل ذكريات الأسماك التي كانت تطلب حق اللجوء السياسي. زحف المدينة تزحف على أعصابه فتصيبه بالتوتر والدوار.. انتقل إلى منزل في الضواحي وطرف المدائن.. إلا أن المباني الجديدة حاصرته.. انتقل إلى طرف آخر .. انتقلت معه المباني العالية ذات المولدات الكهربائية الهادرة.. فظل يفر من المدينة وضوضائها حتى ابتلعته صحراء العتمور.