لا أظن أن أحداً يستطيع حصر الأفلام المسيئة للسودان خاصة من جانب السينما المصرية، بيد أن الملاحظ دائماً أن الجانب الدبلوماسي السوداني يظل صامتاً رغم ما حوته هذه الأفلام من إساءة وتجريح وسخرية واستهزاء رخيص خلافاً للدول العربية الأخرى التي ظلت تحتج سفاراتها لأقل تعريض يمس شعوبها، فمثلاً إحدى السفارات العربية بالقاهرة احتجت بشدة للمسؤولين المصريين في وقت سابق عندما جسدت شخصية بائع مخدرات يمثل جنسية تلك البلدة فاضطروا للاعتذار لهم. بيد أن السودان يعتبر الدولة العربية الوحيدة التي تناوشتها بشدة سهام السينما المصرية، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك فيلم «عيال حبيبة» بطولة حمادة هلال وحسن حسني، وفيلم «سوبر هندي» بطولة محمد هنيدي، وفيلم كرتوني باسم «الأميرة والأقزام السبعة»، ويقول الراوي في الفيلم بعد أن يعرض رسماً لطفل سوداني: «سمارة كسلان ومبلط في الخط وعايز حتة كمان»، بالإضافة إلى السخافات من جانب الممثل أحمد آدم في موضوع حلايب وشلاتين، بل حتى الإعلانات التجارية لم تخلُ من الرشاش والسهام الصدئة، فهناك إعلان بث قبل فترة عن الفول السوداني لا يخلو من إيحاءات مسيئة للسودانيين يقول: «السوداني طول عمره مذلول ومنكسر». لكن ربما كانت المرة الأولى التي تحتج فيها إحدى سفاراتنا على فيلم يمس السودانيين وسمعتهم، قبل أيام قليلة عندما أبلغ سفير السودان في بكين عمر عيسى، الحكومة الصينية رسمياً احتجاج السودان على إنتاج الفيلم الصادر عن جهات أمنية في مقاطعة «أيوا» جنوبالصين، ونقل عيسى إلى مسؤول رفيع في الخارجية الصينية أن الواقعة تسيء للسودان والسودانيين، خصوصاً أنه صدر من جهة حكومية، وكانت قد عُرضت مقاطع منه على موقع «يوتيوب»، وعلى ضوء ذلك أمرت الحكومة الصينية بحذف الفيلم من الإنترنت فوراً، وقدمت اعتذاراً رسمياً للسودان كما أوردت الوسائط الإعلامية. ولعل مطالبة السفير السوداني بحذف الفيلم من الإنترنت تجيء باعتبار أن الجهة التي أصدرته هي جهة حكومية وليست أهلية، كما أن الصين ليست دولة ليبرالية، فمازلت الثقافة والفن فيهما موجهين رغم التحول الكبير الذي حدث بعد وفاة زعيم الصين وعراب الشيوعية ماو تسي تونغ الذي في عهده أطلق ما يسمى الثورة الثقافية في مايو 1965م، بحجة إقصاء العناصر البرجوازية التي تسللت إلى مفاصل الحزب، وقال إن تحريك الصراع الطبقي ضرورة لمقاومة المد البرجوازي في الحزب، ودعا إلى ما سماها مطاردة العناصر السوداء في المجتمع، وعلى إثر ذلك أخذت عناصر الحرس الأحمر في كل أنحاء البلاد تبحث عن الرأسماليين والإقطاعيين وأصدقاء الغرب، فسقط في الحملة مئات الآلاف وحطمت المعابد القديمة وآلات الموسيقى والتحف التاريخية، واضطر الزعيم ماو بعد أن غرقت البلاد في الفوضى والدماء إلى إيقافها عام 1969م، لكنه استمر على نهجه القابض حتى وفاته في سبتمبر 1976م، ولكن عقب وفاته حدث تحول تدريجي تبلور في بداية الثمانينيات، وتوج في مؤتمر الحزب الشيوعي الذي انتقد الزعيم التاريخي ماو بشدة وبعبارات واضحة لا لبس فيها وذلك في عام 1981م. لكن رغم التحول الكيبر فالدولة في الصين مازالت تمسك بالخيوط كلها في يدها، ولهذا كانت دعوة السفير السوداني للحكومة الصينية بالتدخل وإيقاف الفيلم تتسق تماماً مع الواقع السياسي في الصين. أخيراً إذا كانت الحكومة لحسابات معينة تدركها هي لم تقف مواقف متشددة في قضية حلايب حتى الآن، فإن أضعف الايمان أن يكون لها موقف احتجاجي أدبياً إزاء التجريح والإساءة التي تصدر عن بعض الأفلام المصرية تجاه شعبنا الطيب. ويا ناس السينما المصرية نحن برضو ممكن ننتج أفلاماً على قدر حالنا عن «عتريس الطغيان» و «حمادة السجمان»، لكن مازلنا نتمسك بقيم الإسلام وتعاليمه وأدبياته.. فهل أنتم منتهون يرحمكم الله.