الفوضى التي عمت جمهورية إفريقيا الوسطى منذ الانقلاب الذي أطاح الرئيس بوزيزي في مارس الماضي، مثلت انطلاقة شرارة النزاع الديني والعرقي التي لاحت في الأفق بين المسلمين والمسيحيين هناك، وهذا الوضع يذكرنا بما حدث في رواندا قبل حوالى عشرين عاماً. فأعمال العنف بدأت في إفريقيا الوسطى منذ وصول حركة التمرد «سيليكا» بقيادة ميشال جوتوديا إلى الحكم عن طريق انقلاب ليصبح رئيساً انتقالياً، ومن ثم أصبحت هذه المجموعات من حركة التمرد والتي أغلبها مسلمة خارجة عن سيطرة زعيمها، مما دفع المسيحيين الذين يشكلون الأغلبية إلى تشكيل خلايا توصف بمجموعات دفاع ذاتي وتحمل السلاح لحماية قراها. تأثيرات مباشرة عدم توفر الأمن والاستقرار في إفريقيا الوسطى جعل مجلس الامن يحدد مدة ستة أشهر للقوات الفرنسية والإفريقية حتى تعيد الأمور إلى نصابها، تعتبر فترة قصيرة جداً بالنظر الى تعقيدات الصراع والأزمات المزمنة التي تواجهها إفريقيا الوسطى، والتي حدت برئيس السلطة الانتقالية د. التيجاني السيسي إلى مطالبة السلطات السودانية بأن تحذو حذو دولة تشاد وتمنع مقاتلي إفريقيا الوسطى من عبور الحدود إلى داخل البلاد، وذلك عن طريق اتخاذ إجراءات صارمة بشأن ذلك، وهو ما أمن عليه المختص بالشأن الدارفوري عبد الله آدم خاطر بقوله خلال حديثه للصحيفة إن هذا يستدعي أكثر من اي وقت مضى اتجاه الدولة نحو إنهاء النزاع في دارفور عن طريق التفاوض والحوار مع أطراف الحركات المسلحة التي هي على استعداد للعملية السلمية ولم تكن منها حتى الآن جزءاً أصيلاً، ومسؤولية الأمن في دارفور مسؤولية الحكومة الاتحادية ومسؤولية قومية، خاصة أن السلطة الإقليمية ليست في منظومة النزاعات الداخلية أو في إفريقيا الوسطى، وهي بالكاد تسعى لبدء العملية التنموية في دارفور تحت ظروف حرجة. كابوس قادم!! تداعيات الأوضاع في إفريقيا الوسطى والاقتتال بين مجموعاتها المسلحة يعتبر كابوساً سيحل على دارفور، ومهدداً مباشراً لأمن واستقرار إنسانها وأمن كل السودان، ومما يزيد الأمر تعقيداً تسريب الأسلحة ودخول مزيد من اللاجئين غير الخاضعين للنظم والقوانين، أيضاً استمرار الحدود بانفتاحها سيؤثر في الوضع الاقتصادي الذي يتميز بالحرج، وما يزيده حرجاً أن مناطق التجارة المفتوحة للسودان وللاقتصاد السوداني في إفريقيا الوسطى ستُغلق عن طريق النزاعات التي ليست في صالح السودان بأية حال من الأحوال، لأن مصلحته بالنسبة لكل الدول المجاورة سواء أكانت تشاد أو إفريقيا الوسطى وغيرها هي تحقيق العملية السلمية في دارفور أولاً باعتبار أنها المدخل للدبلوماسية السلمية بين هذه الدول والسودان على المستوى التجاري والاقتصادي والاستثماري. صراع ديني كما مثل الصراع الديني رأياً آخر قوياً ارتكز عليه العميد حسن بيومي الخبير الأمني من خلال تأكيده أن قائد حركة سيليكا يحارب ضد المسيحية بإفريقيا الوسطى وليس من سبيل أمامه إلا دخول السودان إن هاجمه الفرنسيون، وشيوخ تشاد معروف عنهم التعصب الديني، وهو أكبر خطر ستواجهه دارفور والسودان، أيضاً هناك تسريب السلاح وتدفق اللاجئين، مؤكداً أن حرس حماية الحدود لا يستطيع أن يفعل لهم أي شيء لامتداد الحدود، مستدركاً بقوله: «يبدو أن هناك يداً خفية وراء ما يحدث بتسليحها هذه الجماعات، خاصة أن مناطق إفريقيا تعتبر مناطق أمن قومي فرنسي، ولها فرق مخصصة لضبط الدول الإفريقية التي تتبع لها، ولهم قواعدهم في تشاد وإفريقيا الوسطى، وما حدث في مالي «والحديث لبيومي» أكبر دليل، والتكتيك الذي قامت هذه الجماعات غير صحيح بقتلها للمسيحيين، والصراع أصبح بين الإسلام والمسيحية، وبدخول هذه الحركة السودان فليس أمامه حل إلا استقبالها، فيوغندا ستضربهم، وإن دخلوا تشاد سيذهبون لمناطق المسيحيين لإبادتهم. حلول دبلوماسية كل المخاوف والتحذيرات التي أطلقها د. التيجاني تنطلق من جانب عدم سيطرة السلطة على حدودها، بعد كشفه عن تسرب كميات من الأسلحة إلى دارفور عبر الحدود التي تعتبر من أكثر العقبات حسب حديث محمد حسن الركابي الباحث بمركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا والذي أشار إلى أن الحدود الطويلة التي تربط إفريقيا الوسطى بالسودان هي التي تثير المخاوف، وان هذه الحدود مشتركة ما بين السودان ودولة الجنوب ايضاً، كما لا توجد بها فواصل طبيعية كالانهار والجبال، او فواصل وعلامات موضوعة، فحتى القبائل الموجودة فيها متداخلة ومشتركة لوجود المراعي، وأكد الركابي أن عدم الاستقرار في إفريقيا الوسطى له انعكاسات سالبة على إقليم دارفور، وعلى الدولة عن طريق العمل الدبلوماسي خلق استقرار في المنطقة لتأثيرها السلبي على كل الدول على طول الحدود. ما يحدث بإفريقيا الوسطى مؤشر سلبي يجعل التشديد على ضرورة بسط هيبة الدولة من خلال تقوية قواتها المسلحة والأمن والشرطة أمراً حتمياً، ليس لمواجهة الخطر القادم بل لحسم الصراعات القبلية والانفلات الأمني الذي تتصاعد وتيرته بدارفور بسبب الاستقطاب القبلي والإثني، كما أن حل الصراعات القبلية عبر الأجاويد والإدارات الأهلية أصبح غير مجدٍ، فقد أصبحت عاجزة وغير قادرة على احتواء الصراعات القبلية وإقناع المليشيات المسلحة بدارفور، مما أفقدها نفوذ سلطانها، وعلى الدولة أن تضع التدابير اللازمة للحيلولة دون تمدد هذه التوترات إلى حدود ولايات دارفور، والتحسب لأية طوارئ أو عمليات تسلل من الدولة الجارة، عبر اتخاذ إجراءات أمنية مشددة على الحدود المشتركة.